وتوحيدهم هو توحيد الجهمية الذي مضمونه نفي الصفات وغير ذلك، قالوا : إن اللّه لا يرى، وإن القرآن مخلوق، وإنه ليس فوق العالم، وإنه لا يقوم به علم ولا قدرة، ولا حياة ولا سمع، ولا بصر ولا كلام، ولا مشيئة ولا صفة من الصفات.
وأما عدلهم فمن مضمونه أن اللّه لم يشأ جميع الكائنات ولا خلقها كلها، و لا هو قادر عليها كلها، بل عندهم أن أفعال العباد لم يخلقها اللّه لا خيرها ولا شرها، ولم يرد إلا ما أمر به شرعًا، وما سوى ذلك فإنه يكون بغير مشيئته، وقد وافقهم على ذلك متأخرو الشيعة، كالمفيد، وأبي جعفر الطوسي وأمثالهما، ولأبي جعفر هذا تفسير على هذه الطريقة، لكن يضم إلى ذلك قول الإمامية الاثنى عشرية؛ فإن المعتزلة ليس فيهم من يقول بذلك ولا من ينكر خلافة أبي بكر وعمر وعثمان وعلي.
ومن أصول المعتزلة مع الخوارج : إنفاذ الوعيد في الآخرة، وأن اللّه لا يقبل في أهل الكبائر شفاعة، ولا يخرج منهم أحدًا من النار. ولا ريب أنه قد رد عليهم طوائف من المرجئة والكرامية والكلابية وأتباعهم، فأحسنوا تارة وأساؤوا أخرى، حتى صاروا في طرفي نقيض كما قد بسط في غير هذا الموضع.
والمقصود أن مثل هؤلاء اعتقدوا رأيًا ثم حملوا ألفاظ القرآن عليه، وليس لهم سلف من الصحابة والتابعين لهم بإحسان، ولا من أئمة المسلمين لا في رأيهم ولا في تفسيرهم، وما من تفسير من تفاسيرهم الباطلة إلا وبطلانه يظهر من وجوه كثيرة، وذلك من جهتين : تارة من العلم بفساد قولهم، وتارة من العلم بفساد ما فسروا به القرآن، إما دليلاً على قولهم أو جوابًا على المعارض لهم.