فصل
إذا لم تجد التفسير في القرآن ولا في السنة، ولا وجدته عن الصحابة، فقد رجع كثير من الأئمة في ذلك إلى أقوال التابعين، كمجاهد بن جبر؛ فإنه كان آية في التفسير، كما قال محمد بن إسحاق : حدثنا أبان بن صالح، عن مجاهد قال : عرضتُ المصحف على ابن عباس ثلاث عرضات من فاتحته إلى خاتمته، أوقفه عند كل آية منه وأسأله عنها. وبه إلى الترمذي، قال : حدثنا الحسين بن مهدي البصري، حدثنا عبد الرزاق، عن معمر، عن قتادة، قال : مافي القرآن آية إلا وقد سمعت فيها شيئًا. وبه إليه قال : حدثنا ابن أبي عمر، حدثنا سفيان بن عيينة، عن الأعمش؛ قال : قال مجاهد : لو كنت قرأت قراءة ابن مسعود لم أحْتَجْ أن أسأل ابن عباس عن كثير من القرآن مما سألت. وقال ابن جرير : حدثنا أبو كُرَيْب قال : حدثنا طَلْق بن غنام، عن عثمان المكي، عن ابن أبي مُلَيْكة؛ قال : رأيت مجاهدًا سأل ابن عباس عن تفسير القرآن ومعه ألواحه، قال : فيقول له ابن عباس : اكتب، حتى سأله عن التفسير كله؛ ولهذا كان سفيان الثوري يقول : إذا جاءك التفسير عن مجاهد فحسبك به.
وكسعيد بن جُبَيْر، وعِكْرِمة ـ مولي ابن عباس ـ وعطاء بن أبي رباح، والحسن البصري، ومسروق بن الأجدع، وسعيد بن المُسَيَّب، وأبى العالية، والربيع بن أنس، وقتادة، والضحاك بن مُزاحم، وغيرهم من التابعين وتابعيهم ومن بعدهم، فتذكر أقوالهم في الآية فيقع في عباراتهم تباين في الألفاظ، يحسبها من لا علم عنده اختلافًا، فيحكيها أقوالا وليس كذلك. فإن منهم من يعبر عن الشيء بلازمه أو نظيره، ومنهم من ينص على الشىء بعينه، والكل بمعنى واحد في كثير من الأماكن، فليتفطن اللبيب لذلك، واللّه الهادي.
وقال شعبة بن الحجاج وغيره : أقوال التابعين في الفروع ليست حجة، فكيف تكون حجة في التفسير ؟ يعني أنها لا تكون حجة على غيرهم ممن خالفهم، وهذا صحيح، أما إذا أجمعوا على الشىء فلا يرتاب في كونه حجة؛ فإن اختلفوا فلا يكون قول بعضهم حجة على بعض ولا على من بعدهم، ويرجع في ذلك إلى لغة القرآن، أو السنة، أو عموم لغة العرب، أو أقوال الصحابة في ذلك.
فأما تفسير القرآن بمجرد الرأي فحرام. حدثنا مُؤَمَّل، حدثنا سفيان، حدثنا عبد الأعلى، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس؛ قال : قال رسول اللّه ﷺ :( من قال في القرآن بغير علم، فليتبوأ مقعده من النار ). حدثنا وَكِيع، حدثنا سفيان، عن عبد الأعلى الثعلبي، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال : قال رسول اللّه ﷺ :( من قال في القرآن بغير علم، فليتبوأ مقعده من النار ). وبه إلى الترمذي قال : حدثنا عبد بن حميد، حدثني حبان بن هلال، قال : حدثنا سهيل ـ أخو حزم القطعي ـ قال : حدثنا أبو عمران الجَوْنِي، عن جُنْدُب، قال : قال رسول اللّه ﷺ :( من قال في القرآن برأيه فأصاب فقد أخطأ )، قال الترمذي : هذا حديث غريب، وقد تكلم بعض أهل الحديث في سهيل ابن أبي حزم.