أما إذا قيل : إن ذلك هي الأحرف السبعة فظاهر، وكذلك بطريق الأولى إذا قيل : إن ذلك حرف من الأحرف السبعة؛ فإنه إذا كان قد سوغ لهم أن يقرؤوه على سبعة أحرف كلها شاف كاف مع تنوع الأحرف في الرسم؛ فلأن يسوغ ذلك مع اتفاق ذلك في الرسم وتنوعه في اللفظ أوْلَى وأحْرَى، وهذا من أسباب تركهم المصاحف أول ما كتبت غير مشكولة ولا منقوطة؛ لتكون صورة الرسم محتملة للأمرين، كالتاء والياء، والفتح والضم، وهم يضبطون باللفظ كلا الأمرين، ويكون دلالة الخط الواحد عل كلا اللفظين المنقولين المسموعين المتلوين شبيها بدلالة اللفظ الواحد على كلا المعنيين المنقولين المعقولين المفهومين؛ فإن أصحاب رسول اللّه ﷺ تلقوا عنه ما أمره اللّه بتبليغه إليهم من القرآن لفظه ومعناه جميعًا، كما قال أبو عبد الرحمن السلمي ـ وهو الذي روى عن عثمان، رضي اللّه عنه، عن النبي ﷺ أنه قال :( خيركم من تعلم القرآن وعلَّمه ) كما رواه البخاري في صحيحه، وكان يقرئ القرآن أربعين سنة ـ قال : حدثنا الذين كانوا يقرئوننا عثمان بن عفان وعبد اللّه بن مسعود وغيرهما : أنهم كانوا إذا تعلموا من النبي ﷺ عشر آيات لم يجاوزوها حتى يتعلموا ما فيها من العلم والعمل، قالوا : فتعلمنا القرآن والعلم والعمل جميعًا.
ولهذا دخل في معنى قوله :( خيركم من تعلم القرآن وعلمه ) تعليم حروفه ومعانيه جميعًا، بل تعلم معانيه هو المقصود الأول بتعليم حروفه، وذلك هو الذي يزيد الإيمان، كما قال جُنْدُب بن عبد اللّه وعبد الله بن عمر وغيرهما : تعلمنا الإيمان، ثم تعلمنا القرآن فازددنا إيمانًا، وأنتم تتعلمون القرآن ثم تتعلمون الإيمان.