وأما رواية من روى :( من قرأ القرآن في أقل من ثلاث لم يفقه ) فلا تنافى رواية التسبيع؛ فإن هذا ليس أمرًا لعبد اللّه بن عمرو، ولا فيه أنه جعل قراءته في ثلاث دائمًا سنة مشروعة، وإنما فيه الإخبار بأن من قرأه في أقل من ثلاث لم يفقه، ومفهومه مفهوم العدد، وهو مفهوم صحيح أن من قرأه في ثلاث فصاعدًا فحكمه نقيض ذلك، والتناقض يكون بالمخالفة، ولو من بعض الوجوه.
فإذا كان من يقرؤه في ثلاث أحيانًا قد يفقهه حصل مقصود الحديث، ولا يلزم إذا شرع فعل ذلك أحيانًا لبعض الناس أن تكون المداومة على ذلك مستحبة؛ ولهذا لم يعلم في الصحابة على عهده من داوم على ذلك أعنى على قراءته دائمًا فيما دون السبع؛ ولهذا كان الإمام أحمد - رحمه اللّه- يقرؤه في كل سبع.
والمقصود بهذا الفصل أنه إذا كان التحزيب المستحب ما بين أسبوع إلى شهر ـ وإن كان قد روى ما بين ثلاث إلى أربعين ـ فالصحابة إنما كانوا يحزبونه سورًا تامة، لا يحزبون السورة الواحدة، كما روى أوس بن حذيفة، قال : قدمنا على رسول اللّه ﷺ في وَفْد ثقيف، قال : فنزلت الأحلاف على المغيرة بن شعبة، ونزل رسول اللّه ﷺ بني مالك في قُبَّة له. قال : وكان كل ليلة يأتينا بعد العشاء، يحدثنا قائمًا على رجليه حتى يراوح بين رجليه من طول القيام، وأكثر ما يحدثنا ما لقى من قومه من قريش. ثم يقول :( لا سواء كنا مستضعفين مستذلين بمكة، فلما خرجنا إلى المدينة كانت سجالٌ الحرب بيننا وبينهم، نُدال عليهم ويدالون علينا )، فلما كانت ليلة أبطأ عن الوقت الذي كان يأتينا فيه، فقلنا : لقد أبطأت عنا الليلة، قال :( إنه طرأ على حزبي من القرآن، فكرهت أن أجىء حتى أتمه ).


الصفحة التالية
Icon