فإن قيل : فترتيب سور القرآن ليس هو أمرًا واجبًا منصوصًا عليه وإنما هو موكول إلى الناس؛ ولهذا اختلف ترتيب مصاحف الصحابة ـ رضي اللّه عنهم ـ ولهذا في كراهة تنكيس السور روايتان عن الإمام أحمد : إحداهما : يكره؛ لأنه خلاف المصحف العثماني المتفق عليه. والثانية : لا يكره، كما يلقنه الصبيان؛ إذ قد ثبت عن النبي ﷺ أنه قرأ بالبقرة، ثم النساء، ثم آل عمران.
قيل : لا ريب أن قراءة سورة بعد سورة لابد أن يكون مرتبًا، أكثر ما في الباب أن الترتيب يكون أنواعًا، كما أنزل القرآن على أحرف، وعلى هذا فهذا التحزيب يكون تابعًا لهذا الترتيب، ويجوز أيضًا أن يكون هذا التحزيب مع كل ترتيب، فإنه ليس في الحديث تعيين السور.
وهذا الذي كان عليه الصحابة هو الأحسن؛ لوجوه :
أحدها : أن هذه التحزيبات المحدثة تتضمن دائمًا الوقوف على بعض الكلام المتصل بما بعده، حتى يتضمن الوقف على المعطوف دون المعطوف عليه، فيحصل القارئ في اليوم الثاني مبتدئًا بمعطوف، كقوله تعالي :﴿ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاء إِلاَّ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ﴾ [ النساء : ٢٤ ] وقوله :﴿ وَمَن يَقْنُتْ مِنكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ ﴾ [ الأحزاب : ٣١ ] وأمثال ذلك. ويتضمن الوقف على بعض القصة دون بعض ـ حتى كلام المتخاطبين ـ حتى يحصل الابتداء في اليوم الثاني بكلام المجيب، كقوله تعالى :﴿ قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِي صَبْرًا ﴾ [ الكهف : ٧٥ ].


الصفحة التالية
Icon