وإذا كان تحزيبه بالحروف إنما هو تقريب لا تحديد، كان ذلك من جنس تجزئته بالسور هو أيضًا تقريب؛ فإن بعض الأسباع قد يكون أكثر من بعض في الحروف، وفي ذلك من المصلحة العظيمة بقراءة الكلام المتصل بعضه ببعض، والافتتاح بما فتح اللّه به السورة، والاختتام بما ختم به، وتكميل المقصود من كل سورة ما ليس في ذلك التحزيب. وفيه أيضًا من زوال المفاسد الذي في ذلك التحزيب ما تقدم التنبيه على بعضها، فصار راجحًا بهذا الاعتبار.
ومن المعلوم أن طول العبادة وقصرها يتنوع بتنوع المصالح، فتستحب إطالة القيام تارة وتخفيفه أخرى في الفرض والنفل بحسب الوجوه الشرعية، من غير أن يكون المشروع هو التسوية بين مقادير ذلك في جميع الأيام، فعلم أن التسوية في مقادير العبادات البدنية في الظاهر لا اعتبار به إذا قارنه مصلحة معتبرة، ولا يلزم من التساوي في القدر التساوي في الفضل؛ بل قد ثبت في الصحاح من غير وجه عن النبي ﷺ أن :﴿ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ﴾ تعدل ثلث القرآن. وثبت في الصحيح أن فاتحة الكتاب لم ينزل في التوراة، ولا في الإنجيل، ولا في القرآن مثلها. وثبت في الصحيح أن آية الكرسي أعظم آية في القرآن. وأمثال ذلك.
فإذا قرأ القارئ في اليوم الأول البقرة، وآل عمران، والنساء بكمالها، وفي اليوم الثاني إلى آخر براءة، وفي اليوم الثالث إلى آخر النمل ـ كان ذلك أفضل من أن يقرأ في اليوم الأول إلى قوله :﴿ بَلِيغًا ﴾ وفي اليوم الثاني إلى قوله :﴿ إِنَّا لاَ نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ ﴾ [ الأعراف : ١٧٠ ]، فعلى هذا إذا قرأه كل شهر، كما أمر به النبي ﷺ عبد اللّه بن عمرو أولا، عملاً على قياس تحزيب الصحابة، فالسورة التي تكون نحو جزء أو أكثر بنحو نصف أو أقل بيسير يجعلها حزبًا، كآل عمران، والنساء، والمائدة، والأنعام، والأعراف.


الصفحة التالية
Icon