وهذا التفصيل في الإيمان هو كذلك في لفظ البر والتقوى والمعروف وفي الإثم والعدوان والمنكر، تختلف دلالتها في الإفراد والاقتران لمن تدبر القرآن، وقد بسط هذا بسطًا كبيرًا في الكلام على الإيمان، وشرح حديث جبريل الذي فيه بيان أن الإيمان أصله في القلب؛ وهو الإيمان باللّه وملائكته وكتبه ورسله، كما في المسند عن النبي ﷺ أنه قال :( الإسلام علانية والإيمان في القلب )، وقد قال ﷺ في الحديث الصحيح :( ألا إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح لها سائر الجسد، وإذا فسدت فسد لها سائر الجسد، ألا وهي القلب )، فإذا كان الإيمان في القلب فقد صلح القلب، فيجب أن يصلح سائر الجسد؛ فلذلك هو ثمرة ما في القلب؛ فلهذا قال بعضهم : الأعمال ثمرة الإيمان. وصحته لما كانت لازمة لصلاح القلب دخلت في الاسم، كما نطق بذلك الكتاب والسنة في غير موضع.
وفي الجملة، الذين رموا بالإرجاء من الأكابر، مثل طلق بن حبيب [ هو طلق بن حبيب العنزي البصري، من الزهاد والعلماء العاملين، قال أبو حاتم : صدوق، يرى الإرجاء، ووثقه أبو زرعة وابن حبان، ذكره البخاري فيمن مات بين التسعين إلى المائة ]، وإبراهيم التيمي ونحوهما : كان إرجاؤهم من هذا النوع، وكانوا أيضًا لا يستثنون في الإيمان، وكانوا يقولون : الإيمان هو الإيمان الموجود فينا، ونحن نقطع بأنا مصدقون، ويَرَوْن الاستثناء شَكا، وكان عبد اللّه بن مسعود وأصحابه يستثنون، وقد روى في حديث أنه رجع عن ذلك لما قال له بعض أصحاب معاذ ما قال، لكن أحمد أنكر هذا وضعف هذا الحديث، وصار الناس في الاستثناء على ثلاثة أقوال :
قول : إنه يجب الاستثناء، ومن لم يستثن كان مبتدعًا.
وقول : إن الاستثناء محظور؛ فإنه يقتضى الشك في الإيمان.


الصفحة التالية
Icon