ولهذا جاء في الحديث الذي رويناه مسلسلاً :( آمنت بالقَدَر خيره وشره، وحلوه ومُرِّه )، وفى الحديث الذى رواه أبو داود :( لو أنفقت ملء الأرض ذَهَبا لما قَبِله منك حتى تؤمن بالقدر خيره وشره، وتعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وما أخطأك لم يكن ليصيبك )، فالخير والشر هما بحسب العبد المضاف إليه كالحلو والمر سواء، وذلك أن من لم يتألم بالشيء ليس في حقه شراً، ومن تنعم به فهو في حقه خير، كما كان النبى ﷺ يُعَلِّم من قصَّ عليه أخوه رؤيا أن يقول :( خيراً تلقاه وشراً توقاه، خيراً لنا وشراً لأعدائنا )، فإنه إذا أصاب العبد شر سُرَّ قلب عدوه، فهو خير لهذا وشر لهذا، ومن لم يكن له ولياً ولا عدواً فليس في حقه لا خيراً ولا شراً، وليس فى مخلوقات اللّه ما يؤلم الخلق كلهم دائماً، ولا ما يؤلم جمهورهم دائماً، بل مخلوقاته إما منعمة لهم أو لجمهورهم فى أغلب الأوقات، كالشمس والعافية، فلم يكن في الموجودات التى خلقها اللّه ما هو شر مطلقاً عاماً.
فعلم أن الشر المخلوق الموجود شر مقيد خاص، وفيه وجه آخر هو به خير وحسن، وهو أغلب وجهيه، كما قال تعالى :﴿ أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ ﴾ [ السجدة : ٧ ]، وقال تعالى :﴿ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ ﴾ [ النمل : ٨٨ ]، وقال تعالى :﴿ وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلاَّ بِالْحَقِّ ﴾ [ الحجر : ٨٥ ]، وقال :﴿ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً ﴾ [ آل عمران : ١٩١ ]
وقد علم المسلمون أن اللّه لم يخلق شيئاً ما إلا لحكمة؛ فتلك الحكمة وجه حسنه وخيره، ولا يكون فى المخلوقات شر محض لا خير فيه، ولا فائدة فيه بوجه من الوجوه؛ وبهذا يظهر معنى قوله :( والشر ليس إليك )، وكون الشر لم يُضَف إلى اللّه وحده، بل إما بطريق العموم أو يضاف إلى السبب أو يحذف فاعله.