وأما الموجود الذى هو سبب الشر الموجود الذى هو خاص كالآلام، مثل الأفعال المحرمة من الكفر الذى هو تكذيب أو استكبار، والفسوق الذى هو فعل المحرمات ونحو ذلك، فإن ذلك سبب الذم والعقاب، وكذلك تناول الأغذية الضارة، وكذلك الحركات الشديدة المورثة للألم، فهذا الوجود لا يكون وجوداً تاماً محضاً؛ إذ الوجود التام المحض لا يورث إلا خيراً، كما قلنا : إن العدم المحض لا يقتضى وجوداً، بل يكون وجوداً ناقصاً، إما فى السبب وإما فى المحل، كما يكون سبب التكذيب عدم معرفة الحق والإقرار به، وسبب عدم هذا العلم والقول عدم أسبابه، من النظر التام، والاستماع التام لآيات الحق وأعلامه.
وسبب عدم النظر والاستماع، إما عدم المقتضى فيكون عدماً محضاً، وإما وجود مانع من الكبر أو الحسد فى النفس ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ ﴾ [ الحديد : ٢٣ ]، وهو تصور باطل، وسببه عدم غنى النفس بالحق فتعتاض عنه بالخيال الباطل.
والحسد ـ أيضاً ـ سببه عدم النعمة التى يصير بها مثل المحسود أو أفضل منه، فإن ذلك يوجب كراهة الحاسد لأن يكافئه المحسود، أو يتفضل عليه.
وكذلك الفسوق ـ كالقتل والزنا وسائر القبائح ـ إنما سببها حاجة النفس إلى الاشتفاء بالقتل والالتذاذ بالزنا، وإلا فمن حصل غرضه بلا قتل أو نال اللذة بلا زنا لا يفعل ذلك، والحاجة مصدرها العدم، وهذا يبين ـ إذا تدبره الإنسان ـ أن الشر الموجود إذا أضيف إلى عدم أو وجود فلابد أن يكون وجوداً ناقصاً، فتارة يضاف إلى عدم كمال السبب أو فوات الشرط، وتارة يضاف إلى وجود، ويعبر عنه تارة بالسبب الناقص والمحل الناقص، وسبب ذلك إما عدم شرط أو وجود مانع، والمانع لا يكون مانعاً إلا لضعف المقتضى، وكل ما ذكرته واضح بين، إلا هذا الموضع ففيه غموض يتبين عند التأمل وله طرفان :
أحدهما : أن الموجود لا يكون سببه عدماً محضاً.


الصفحة التالية
Icon