وأيضاً، فالعبد يفتقر إلى اللّه من جهة أنه معبوده الذي يحبه حب إجلال وتعظيم، فهو غاية مطلوبه ومراده ومنتهى همته، ولا صلاح له إلا بهذا، وأصل الحركات الحب، والذي يستحق المحبة لذاته هو اللّه، فكل من أحب مع اللّه شيئاً فهو مشرك، وحبه فساد؛ وإنما الحب الصالح النافع حب اللّه والحب للّه، والإنسان فقير إلى اللّه من جهة عبادته له ومن جهة استعانته به للاستسلام والانقياد لمن أنت إليه فقير وهو ربك وإلهك.
وهذا العلم والعمل أمر فطري ضروري؛ فإن النفوس تعلم فقرها إلى خالقها، وتذل لمن افتقرت إليه، وغناه من الصمدية التى انفرد بها، فإنه ﴿ يَسْأَلُهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ﴾ [ الرحمن : ٢٩ ]، وهو شهود الربوبية بالاستعانة والتوكل والدعاء والسؤال، ثم هذا لا يكفيها حتى تعلم ما يصلحها من العلم والعمل، وذلك هو عبادته والإنابة إليه؛ فإن العبد إنما خلق لعبادة ربه، فصلاحه وكماله ولذته وفرحه وسروره فى أن يعبد ربه وينيب إليه، وذلك قدر زائد على مسألته والافتقار إليه؛ فإن جميع الكائنات حادثة بمشيئته، قائمة بقدرته وكلمته، محتاجة إليه، فقيرة إليه، مسلمة له طوعاً وكرهاً، فإذا شهد العبد ذلك وأسلم له وخضع، فقد آمن بربوبيته، ورأى حاجته وفقره إليه صار سائلا له متوكلا عليه مستعيناً به، إما بحاله أو بِقَالِه، بخلاف المستكبر عنه المعرض عن مسألته.