والإنسان خلق ظلوما جهولا، فالأصل فيه عدم العلم وميله إلى ما يهواه من الشر، فيحتاج دائماً إلى علم مفصل يزول به جهله، وعدل فى محبته وبغضه ورضاه وغضبه وفعله وتركه وإعطائه ومنعه وأكله وشربه ونومه ويقظته، فكل ما يقوله ويعمله يحتاج فيه إلى علم ينافى جهله، وعدل ينافى ظلمه، فإن لم يمن الله عليه بالعلم المفصل والعدل المفصل وإلا كان فيه من الجهل والظلم ما يخرج به عن الصراط المستقيم، وقد قال تعالى لنبيه ﷺ - بعد صلح الحديبية وبيعة الرضوانِ :﴿ إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُّبِينًا ﴾ إلى قوله تعالى :﴿ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا ﴾ [ الفتح : ١، ٢ ]، فإذا كان هذا حاله فى آخر حياته أو قريباً منها فكيف حال غيره ؟
و ( الصراط المستقيم ) قد فسر بالقرآن، وبالإسلام، وطريق العبودية، وكل هذا حق فهو موصوف بهذا وبغيره، فالقرآن مشتمل على مهمات وأمور دقيقة، ونواهٍ وأخبار وقصص وغير ذلك، إن لم يهد الله العبد إليها فهو جاهل بها ضال عنها، وكذلك الإسلام وما اشتمل عليه من المكارم والطاعات والخصال المحمودة، وكذلك العبادة وما اشتملت علىه.
فحاجة العبد إلى سؤال هذه الهداية ضرورية فى سعادته ونجاته وفلاحه، بخلاف حاجته إلى الرزق والنصر، فإن الله يرزقه، فإذا انقطع رزقه مات، والموت لابد منه، فإذا كان من أهل الهدى به كان سعيداً قبل الموت وبعده، وكان الموت موصلا إلى السعادة الأبدية، وكذلك النصر إذا قدر أنه غلب حتى قتل فإنه يموت شهيداً، وكان القتل من تمام النعمة، فتبين أن الحاجة إلى الهدى أعظم من الحاجة إلى النصر والرزق، بل لا نسبة بينهما؛ لأنه إذا هدي كان من المتقين ﴿ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ ﴾ [ الطلاق : ٢، ٣ ]، وكان ممن ينصر الله ورسوله، ومن نصر الله نصره الله، وكان من جند الله، وهم الغالبون؛ ولهذا كان هذا الدعاء هو المفروض.
وأيضاً، فإنه يتضمن الرزق والنصر؛ لأنه إذا هدى، ثم أمر وهدى غيره بقوله وفعله ورؤيته، فالهدى التام أعظم ما يحصل به الرزق والنصر، فتبين أن هذا الدعاء جامع لكل مطلوب، وهذا مما يبين لك أن غير الفاتحة لا يقوم مقامها وأن فضلها على غيرها من الكلام أعظم من فضل الركوع والسجود على سائر أفعال الخضوع، فإذا تعينت الأفعال فهذا القول أولى، والله أعلم.
وصلى الله على نبيه محمد وسلم تسليما كثيراً.


الصفحة التالية
Icon