فإن التمثيل بين الموصوفين الذين يذكرهم من المنافقين، والمنفقين والمخلصين منهم والمرائين، وبين ما يذكره ـ سبحانه ـ من تلك الأمثالهو من جنس قياس التمثيل، الذى يقال فيه : مثل الذى يقتل بكودتى القَصَّار [ كودتا القَصّار : هما خشبتا القصار. والقصار : هو المحور والمهذب للثياب؛ لأنه يدقها بالقصرة. انظر : لسان العرب، مادة : قصر ] كمثل الذى يقتل بالسيف، ومثل الهرة تقع فى الزيت كمثل الفأرة تقع فى السمن ونحو ذلك، ومبناه على الجمع بينهما، والفرق فى الصفات المعتبرة فى الحكم المقصود إثباته أو نفيه، وقوله : مثله كمثل كذا، تشبيه للمثل العلمى بالمثل العلمى؛ لأنه هو الذى بتوسطه يحصل القياس، فإن المعتبر ينظر فى أحدهما فيتمثل فى علمه، وينظر فى الآخر فيتمثل فى علمه ثم يعتبر أحد المثلين بالآخر فيجدهما سواء، فيعلم أنهما سواء فى أنفسهما لاستوائهما فى العلم، ولا يمكن اعتبار أحدهما بالآخر فى نفسه حتى يتمثل كل منهما فى العلم، فإن الحكم على الشىء فرع على تصوره؛ ولهذا ـ والله أعلم ـ يقال : مثل هذا كمثل... [ بياض بالأصل ].
وبعض المواضع يذكرـ سبحانه ـ الأصل المعتبر به ليستفاد حكم الفرع منه من غير تصريح بذكر الفرع، كقوله :﴿ أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَن تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ لَهُ فِيهَا مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ ﴾ إلى قوله :﴿ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ ﴾ [ البقرة : ٢٦٦ ]، فإن هذا يحتاج إلى تفكر؛ ولهذا سأل عمر عنها من حضره من الصحابة فأجابه ابن عباس بالجواب الذى أرضاه.