والرجل قد يقول : واللّه ليكونن كذا إن شاء اللّه، وهو جازم بأنه يكون. فالمعلق هو الفعل، كقوله :﴿ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِن شَاء اللَّهُ ﴾ [ الفتح : ٢٧ ] واللّه عالم بأنهم سيدخلونه، وقد يقول الآدمي : لأفعلن كذا إن شاء اللّه وهو لا يجزم بأنه يقع، لكن يرجوه فيقول : يكون إن شاء اللّه، ثم عزمه عليه قد يكون جازمًا، ولكن لا يجزم بوقوع المعزوم عليه، وقد يكون العزم مترددًا معلقًا بالمشيئة أيضًا، ولكن متى كان المعزوم عليه معلقًا لزم تعليق بقاء العزم، فإنه بتقدير أن تعليق العزم ابتداء أو دوامًا في مثل ذلك؛ ولهذا لم يَحْنَثْ المطلق المعلق وحرف ( إن ) لا يبقى العزم، فلابد إذا دخل على الماضي صار مستقبلا، تقول : إن جاء زيد كان كذلك ﴿ فَإِنْ آمَنُواْ بِمِثْلِ مَا آمَنتُم بِهِ فَقَدِ اهْتَدَواْ وَّإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ ﴾ [ البقرة : ١٣٧ ] وإذا أريد الماضي دخل حرف ( إن ) كقوله :﴿ ن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي ﴾ [ آل عمران : ٣١ ] فيفرق بين قوله : أنا مؤمن إن شاء اللّه، وبين قوله : إن كان اللّه شاء إيماني.
وكذلك إذا كان مقصوده : إني لا أعلم بماذا يختم لي، كما قيل لابن مسعود : إن فلانًا يشهد أنه مؤمن. قال : فليشهد أنه من أهل الجنة، فهذا مراده إذا شهد أنه مؤمن عند اللّه يموت على الإيمان، وكذلك إن كان مقصوده : إن إيماني حاصل بمشيئة اللّه.
ومن لم يستثن قال : أنا لا أشك في إيمان قلبي، فلا جناح عليه إذا لم يُزَكِّ نفسه ويقطع بأنه عامل كما أمر، وقد تقبل اللّه عمله، وإن لم يقل : إن إيمانه كإيمان جبريل وأبي بكر وعمر ونحو ذلك من أقوال المرجئة، كما كان مِسْعَر بن كِدَام يقول : أنا لا أشك في إيماني، قال أحمد : ولم يكن من المرجئة، فإن المرجئة الذين يقولون : الأعمال ليست من الإيمان، وهو كان يقول : هي من الإيمان، لكن أنا لا أشك في إيماني.