وأما على القول الأول، فالمتقاصان إذا تعادى القتلى فمن عفى له، أى : فضل له من مقاصة أخيه مقاصة أخرى، أى : هذا الذى فضل له فضل كما يقال : أبقى له من جهة أخيه بقية ﴿ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ ﴾ فهذا المستحق للفضل يتبع المقاص الآخر بالمعروف، وذلك يؤدى إلى هذا بإحسان ﴿ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ ﴾ أى : من أن كل طائفة تؤدى قتلى الأخرى، فإن فى هذا تثقيلا عظيما له ﴿ وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ ﴾ [ البقرة : ١٧٩ ]، فإنهم إذا تعادوا القتلى وتقاصوا وتعادلوا لم يبق واحدة تطلب الأخرى بشىء فحَيِىَ هؤلاء وَحيِىَ هؤلاء، بخلاف ما إذا لم يتقاصوا فإنهم يتقاتلون، وتقوم بينهم الفتن التى يموت فيها خلائق، كما هو معروف فى فتن الجاهلية والإسلام، وإنما تقع الفتن لعدم المعادلة والتناصف بين الطائفتين، وإلا فمع التعادل والتناصف الذى يرضى به أولو الألباب لا تبقى فتنة.
وقوله :﴿ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ ﴾ فطلب من الطائفة الأخرى مالا أو قوما أو أذاهم بسبب ما بينهم من الدم ﴿ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ وهذا كقوله :﴿ وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِن فَاءتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ ﴾ [ الحجرات : ٩، ١٠ ]، و ( الأخوة ) هنا كالأخوة هناك وهذا فى قتلى الفتن.