وما يفعله العباد باختيارهم يعلم ـ سبحانه ـ أنهم فعلوه بقدرتهم ومشيئتهم وما لم يفعلوه مع قدرتهم عليه يعلم أنهم لم يفعلوه لعدم إرادتهم له لا لعدم قدرتهم عليه، وهوـ سبحانه ـ الخالق للعباد ولقدرتهم وإرادتهم وأفعالهم، وكل ذلك مقدور للرب، وليس هذا مقدوراً بين قادرين، بل القادر المخلوق هو وقدرته ومقدوره مقدور للخالق مخلوق له.
والمقصود هنا أن قوله تعالى :﴿ وَإِن تُبْدُواْ مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُم بِهِ اللّهُ ﴾ [ البقرة : ٢٨٤ ] حق، والنسخ فيها هو رَفْع فَهْم من فَهِم من الآية ما لم تدل عليه، فمن فهم أن الله يكلف نفساً ما لا تسعه فقد نسخ فهمه وظنه، ومن فهم منها أن المغفرة والعذاب بلا حكمة وعدل فقد نسخ فهمه وظنه، فقوله :﴿ لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا ﴾ [ البقرة : ٢٨٦ ] رد للأول، وقوله :﴿ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ ﴾ رد للثانى، وقوله :﴿ فَيَغْفِرُ لِمَن يَشَاء وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاء ﴾ كقوله فى آل عمران :﴿ وَلِلّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَن يَشَاء وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاء وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾ [ آل عمران : ١٢٩ ]، وقوله :﴿ أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يُعَذِّبُ مَن يَشَاء وَيَغْفِرُ لِمَن يَشَاء وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [ المائدة : ٤٠ ]، ونحو ذلك.
وقد علمنا أنه لا يغفر أن يشرك به، وأنه لا يعذب المؤمنين، وأنه يغفر لمن تاب، كذلك قوله :﴿ وَإِن تُبْدُواْ مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ ﴾ الآية.
ودلت هذه الآية على أنه ـ سبحانه ـ يحاسب بما فى النفوس، وقد قال عمر : زِنُوا أنفسكم قبل أن توزنوا، وحاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا. والمحاسبة تقتضى أن ذلك يحسب ويحصى.