والمقصود هنا أن منشأ النزاع في ( الأسماء والأحكام ) في الإيمان والإسلام أنهم لما ظنوا أنه لا يتبعض، قال أولئك : فإذا فعل ذنبًا زال بعضه فيزول كله فيخلد في النار، فقالت الجهمية والمرجئة : قد علمنا أنه ليس يخلد في النار، وأنه ليس كافرًا مرتدًا، بل هو من المسلمين، وإذا كان من المسلمين وجب أن يكون مؤمنًا تام الإيمان، ليس معه بعض الإيمان؛ لأن الإيمان عندهم لا يتبعض، فاحتاجوا أن يجعلوا الإيمان شيئًا واحدًا يشترك فيه جميع أهل القبلة، فقال فقهاء المرجئة : هو التصديق بالقلب والقول باللسان، فقالت الجهمية بعد تصديق اللسان قد لا يجب إذا كان الرجل أخرس أو كان مكرهًا فالذي لابد منه تصديق القلب، وقالت المرجئة : الرجل إذا أسلم كان مؤمنًا قبل أن يجب عليه شيء من الأفعال.
وأنكر كل هذه الطوائف أنه ينقص، والصحابة قد ثبت عنهم أن الإيمان يزيد وينقص، وهو قول أئمة السنة، وكان ابن المبارك يقول : هو يتفاضل ويتزايد ويمسك عن لفظ ( ينقص )، وعن مالك ـ في كونه لا ينقص ـ روايتان، والقرآن قد نطق بالزيادة في غير موضع، ودلت النصوص على نقصه كقوله :( لا يزنى الزاني حين يزني وهو مؤمن ) ونحو ذلك، لكن لم يعرف هذا اللفظ إلا في قوله في النساء :( ناقصات عقل ودين )، وجعل من نقصان دينها أنها إذا حاضت لا تصوم ولا تصلي، وبهذا استدل غير واحد على أنه ينقص.
وذلك أن أصل أهل السنة : أن الإيمان يتفاضل من وجهين : من جهة أمر الرب، ومن جهة فعل العبد.
أما الأول : فإنه ليس الإيمان الذي أمر به شخص من المؤمنين هو الإيمان الذي أمر به كل شخص، فإن المسلمين في أول الأمر كانوا مأمورين بمقدار من الإيمان، ثم بعد ذلك أمروا بغير ذلك، وأمروا بترك ما كانوا مأمورين به كالقبلة، فكان من الإيمان في أول الأمر الإيمان بوجوب استقبال بيت المقدس، ثم صار من الإيمان تحريم استقباله ووجوب استقبال الكعبة، فقد تنوع الإيمان في الشريعة الواحدة.