و ( الوُسْع ) فعل بمعنى المفعول، أى : ما يسعه، لا يكلفها ما تضيق عنه فلا تسعه، وهو المقدور عليه المستطاع، وقال بعض الناس : إن ( الوسع ) اسم لما يسع الإنسان ولا يضيق عليه. وليس كذلك، بل ما يسع الإنسان هو مباح له، وما لم يسعه ليس مأموراً به فما يسعه قد يؤمر به وأما ما لا يسعه فهو المباح يقال : يسعنى أن أفعل كذا، ولا يسعنى أن أفعل كذا، والمباح هو الواسع، ومنه باحة الدار، فالمباح لك أن تفعله هو يسعك ولا تخرج عنه، ومنه يقال : رحم الله من وسعته السُّنَّة فلم يتعدها إلى البدعة، أى : فيما أمر اللّه به وما أباحه ما يكفى المؤمن المتبع فى دينه ودنياه لا يحتاج أن يخرج عنه إلى ما نهى عنه.
وأما ما كلفت به فهو ما أمرت بفعله، وذلك يكون مما تسعه أنت لا مما يسعك هو، وقد يقال : لا يسعنى تركه، بل تركه محرم، وقد قال تعالى :﴿ تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلاَ تَقْرَبُوهَا ﴾ [ البقرة : ١٨٧ ]، وهو أول الحرام، وقال :﴿ تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلاَ تَعْتَدُوهَا ﴾ [ البقرة : ٢٢٩ ]، وهى آخر الحلال، وقال :﴿ ذَلِكَ بِأَنَّ اللّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ ﴾ [ الأنفال : ٥٣ ]. وهذا التغيير نوعان :
أحدهما : أن يبدو ذلك فيبقى قولا وعملا يترتب عليه الذم والعقاب.
والثانى : أن يغيروا الإيمان الذى فى قلوبهم بضده من الريب والشك والبغض، ويعزموا على ترك فعل ما أمر اللّه به ورسوله، فيستحقون العذاب هنا على ترك المأمور، وهناك على فعل المحظور.
وكذلك ما فى النفس مما يناقض محبة الله والتوكل عليه والإخلاص له والشكر له يعاقب عليه؛ لأن هذه الأمور كلها واجبة. فإذا خلى القلب عنها واتصف بأضدادها استحق العذاب على ترك هذه الواجبات.