وتنازعوا فى عقود السكران كطلاقه، و فى أفعاله المحرمة، كالقتل والزنا، هل يجرى مجرى العاقل، أو مجرى المجنون، أو يفرق بين أقواله وأفعاله وبين بعض ذلك وبعض ؟ على عدة أقوال معروفة.
والذى تدل عليه النصوص والأصول وأقوال الصحابة : أن أقواله هدر ـ كالمجنون ـ لا يقع بها طلاق ولا غيره؛ فإن الله ـ تعالى ـ قد قال :﴿ حَتَّىَ تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ ﴾ [ النساء : ٤٣ ]، فدل على أنه لا يعلم ما يقول، والقلب هو الملك الذى تصدر الأقوال والأفعال عنه، فإذا لم يعلم ما يقول لم يكن ذلك صادراً عن القلب، بل يجرى مجرى اللغو، والشارع لم يرتب المؤاخذة إلا على ما يكسبه القلب من الأقوال والأفعال الظاهرة، كما قال :﴿ وَلَكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ ﴾ [ البقرة : ٢٢٥ ]، ولم يؤاخذ على أقوال وأفعال لم يعلم بها القلب ولم يتعمدها، وكذلك ما يحدث به المرء نفسه لم يؤاخذ منه إلا بما قاله أو فعله، وقال قوم : إن اللّه قد أثبت للقلب كسباً فقال :﴿ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ ﴾ فليس للّه عبد أسَرّ عملاً أو أعلنه من حركة فى جوارحه، أو هَمٍّ فى قلبه، إلا يخبره الله به ويحاسبه عليه، ثم يغفر لمن يشاء، ويعذب من يشاء.
واحتجوا بقوله تعالى :﴿ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً ﴾ [ الإسراء : ٣٦ ]، وهذا القول ضعيف شاذ؛فإن قوله :﴿ يُؤَاخِذُكُم بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ ﴾ إنما ذكره لبيان أنه يؤاخذ فى الأعمال بما كسب القلب، لا يؤاخذ بلغو الأيمان، كما قال :﴿ بِمَا عَقَّدتُّمُ الأَيْمَانَ ﴾ [ المائدة : ٨٩ ]، فالمؤاخذة لم تقع إلا بما اجتمع فيه كسب القلب مع عمل الجوارح، فأما ما وقع فى النفس، فإن الله تجاوز عنه ما لم يتكلم به أو يعمل، وما وقع من لفظ أو حركة بغير قصد القلب وعلمه فإنه لا يؤاخذ به.


الصفحة التالية
Icon