وأبو حنيفة وطائفة يفرقون بين ما يقبل الفسخ وما لا يقبله، قالوا : فما يقبل الفسخ لا يلزم من المكره كالبيع، بل يقف على إجازته له، وما لا يقبل الفسخ كالنكاح والطلاق واليمين فإنه يلزم من المكره.
والجمهور ينازعون فى هذا الفرق؛ فى ثبوت الوصف، وفى تعلق الحكم به؛ فإنهم يقولون : النكاح ونحوه يقبل الفسخ، وكذلك العتق يقبل الفسخ عند الشافعى وأحد القولين فى مذهب أحمد، حتى إن المكاتب قد يحكمون بعتقه ثم يفسخون العتق ويعيدونه عبداً، والأيمان المنعقدة تقبل التحلة، كما قال تعالى :﴿ قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ ﴾ [ التحريم : ٢ ]، وبسط الكلام على هذا له موضع آخر.
والمقصود هنا أن القلب هو الأصل فى جميع الأفعال والأقوال، فما أمر اللّه به من الأفعال الظاهرة فلابد فيه من معرفة القلب وقصده وما أمر به من الأقوال وكل ما تقدم، والمنهى عنه من الأقوال والأفعال إنما يعاقب عليه إذا كان بقصد القلب، وأما ثبوت بعض الأحكام، كضمان النفوس والأموال إذا أتلفها مجنون أو نائم أو مخطئ أو ناس، فهذا من باب العدل فى حقوق العباد، ليس هو من باب العقوبة.
فالمأمور به ـ كما ذكرنا ـ نوعان : نوع ظاهر على الجوارح، ونوع باطن فى القلب.