نوع لهم عزم تام على الجهاد ولو تمكنوا لما قعدوا ولا تخلفوا، وإنما أقعدهم العذر، فهم كما قال النبى ﷺ :( إنبالمدينة رجالا ما سِرْتُم مَسِيٍرا ولا قطعتم واديا إلا كانوا معكم ) قالوا : وهم بالمدينة ؟ ! قال :( وهم بالمدينة، حَبَسَهُمُ العُذْرُ ) وهم ـ أيضاً ـ كما قال فى حديث أبى كَبْشَة الأنمارى :( هما فى الأجر سواء )، وكما فى حديث أبى موسى :( إذا مرض العبد أو سافر كُتِب له من العمل ما كان يعمل صحيحاً مقيما )، فأثبت له مثل ذلك العمل؛ لأن عزمه تام، وإنما منعه العذر.
والنوع الثانى من ﴿ أُوْلِي الضَّرَرِ ﴾ : الذين ليس لهم عزم على الخروج، فهؤلاء يفضل عليهم الخارجون المجاهدون وأولو الضرر العازمون عزما جازماً على الخروج. وقوله تعالى :﴿ غَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ ﴾ سواء كان استثناء أو صفة دل على أنهم لا يدخلون مع القاعدين فى نفى الاستواء، فإذا فصل الأمر فيهم بين العازم وغير العازم بقيت الآية على ظاهرها. ولو جعل قوله :﴿ فَضَّلَ اللّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً ﴾ [ النساء : ٩٥ ] عاما فى أهل الضرر وغيرهم لكان ذلك مناقضاً لقوله :﴿ غَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ ﴾ ؛ فإن قوله :﴿ لاَّ يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ ﴾، ﴿ وَالْمُجَاهِدُونَ ﴾ إنما فيها نفى الاستواء، فإن كان أهل الضرر كلهم كذلك لزم بطلان قوله :﴿ غَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ ﴾، ولزم أنه لا يساوى المجاهدين قاعد ولو كان من أولى الضرر، وهذا خلاف مقصود الآية.
وأيضاً، فالقاعدون إذا كانوا من غير أولى الضرر، والجهاد ليس بفرض عين فقد حصلت الكفاية بغيرهم؛ فإنه لا حرج عليهم فى القعود، بل هم موعودون بالحسنى كأولى الضرر، وهذا مثل قوله :﴿ لَا يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ ﴾ الآية [ الحديد : ١٠ ]، فالوعد بالحسنى شامل لأولى الضرر وغيرهم.


الصفحة التالية
Icon