وأما من قال : إنه لا يؤاخذ بالعزم القلبى، فاحتجوا بقوله ﷺ :( إن الله تجاوز لأمتى عما حَدَّثَتْ به أنفسها )، وهذا ليس فيه أنه عافٍ لهم عن العزم، بل فيه أنه عَفَى عن حديث النَّفْس إلى أن يتكلم أو يعمل، فدل على أنه ما لم يتكلم أو يعمل لا يؤاخذ، ولكن ظن من ظن أن ذلك عزم وليس كذلك، بل ما لم يتكلم أو يعمل لا يكون عزماً؛ فإن العزم لابد أن يقترن به المقدور وإن لم يصل العازم إلى المقصود، فالذى يعزم على القتل أو الزنا أو نحوه عزما جازما لابد أن يتحرك ولو برأسه، أو يمشى، أو يأخذ آلة، أو يتكلم كلمة، أو يقول أو يفعل شيئا، فهذا كله ما يؤاخذ به كزنا العين واللسان والرِّجل فإن هذا يؤاخذ به، وهو من مقدمات الزنا التام بالفرج، وإنما وقع العفو عما ما لم يبرز خارجا بقول أو فعل ولم يقترن به أمر ظاهر قط، فهذا يعفى عنه لمن قام بما يجب على القلب من فعل المأمور به، سواء كان المأمور به فى القلب وموجبه فى الجسد، أوكان المأمور به ظاهراً فى الجسد وفى القلب معرفته وقصده، فهؤلاء إذا حدثوا أنفسهم بشىء كان عفواً مثل هَمّ ثابت بلا فعل، ومثل الوسواس الذى يكرهونه وهم يثابون على كراهته، وعلى ترك ما هموا به وعزموا عليه للّه ـ تعالى ـ وخوفاً منه.
وَقال الشيخ ـ رَحمه اللَّه تعالى :