وقد ثبت فى صحيح مسلم : أنه قال ( قَدْ فَعَلْتُ )، وكذلك فى صحيحه من حديث ابن عباس عن النبى ﷺ أنه قال :( أعطيتُ فاتحة الكتاب، وخواتيم سورة البقرة من كَنْزٍ تحت العرش لم تقرأ بحرف منها إلا أعطيته ) وفى صحيحه أيضاً عن ابن مسعود قال : لما أسرى برسول الله ﷺ انتهى به إلى سِدْرة ينتهى، وهى فى السماء السابعة، وإليها ينتهى ما يعرج من الأرض فيقبض منها، وإليها يتنهى ما يهبط من فوقها فيقبض منها، قال :﴿ إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى ﴾ [ النجم : ١٦ ]، قال : فراش من ذهب، قال : فأعطى رسول الله ﷺ ثلاثاً : أعطى الصلوات الخمس، وأعطى خواتيم سورة البقرة، وغفر لمن مات من أمته لا يشرك بالله شيئاً المقْحِمَات.
قال بعض الناس : إذا كان هذا الدعاء قد أجيب، فطلب ما فيه من باب تحصيل الحاصل، وهذا لا فائدة فيه، فيكون هذا الدعاء عبادة محضة ليس المقصود به السؤال، وهذا القول قد قاله طائفة فى جميع الدعاء أنه إن كان المطلوب مقدرا فلا حاجة إلى سؤاله وطلبه، وإن كان غير مقدر لم ينفع الدعاء ـ دعوت أو لم تدع ـ فجعلوا الدعاء تعبداً محضاً، كما قال ذلك طائفة أخرى فى التوكل.
وقد بسطنا الكلام على هؤلاء فى غير هذا الموضع، وذكرنا قول من جعل ذلك أمارة أو علامة بناء على أنه ليس فى الوجود سبب يفعل به؛ بل يقترن أحد الحادثين بالآخر، قاله طائفة من القدرية النظار، وأول من عرف عنه ذلك الجَهْم بن صَفْوان ومن وافقه، وذكرنا أن ( القول الثالث ) هو الصواب، وهو أن الدعاء والتوكل والعمل الصالح سبب في حصول المدعو به من خير الدنيا والآخرة والمعاصي سبب، وأن الحكم المعلق بالسبب قد يحتاج إلى وجود الشرط وانتفاء الموانع، فإذا حصل ذلك حصل المسبب بلا ريب.


الصفحة التالية
Icon