وأصل هؤلاء : أن الإيمان لا يتبعض ولا يتفاضل، بل هو شيء واحد يستوي فيه جميع العباد فيما أوجبه الرب من الإيمان، وفيما يفعله العبد من الأعمال، فغلطوا في هذا وهذا ثم تفرقوا، كما تقدم.
وصارت المرجئة على ثلاثة أقوال : فعلماؤهم وأئمتهم أحسنهم قولا؛ وهو أن قالوا : الإيمان تصديق القلب وقول اللسان.
وقالت الجهمية : هو تصديق القلب فقط.
وقالت الكرامية : هو القول فقط، فمن تكلم به فهو مؤمن كامل الإيمان، لكن إن كان مقرًا بقلبه كان من أهل الجنة، وإن كان مكذبًا بقلبه كان منافقًا مؤمنا من أهل النار. وهذا القول هو الذي اختصت به الكرامية وابتدعته، ولم يسبقها أحد إلى هذا القول، وهو آخر ما أحدث من الأقوال في الإيمان. وبعض الناس يحكي عنهم أن من تكلم به بلسانه دون قلبه فهو من أهل الجنة، وهو غلط عليهم، بل يقولون : إنه مؤمن كامل الإيمان، وأنه من أهل النار، فيلزمهم أن يكون المؤمن الكامل الإيمان معذبًا في النار، بل يكون مخلدًا فيها. وقد تواتر عن النبي ﷺ أنه :( يخرج منها من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان ).
وإن قالوا : لا يخلد وهو منافق، لزمهم أن يكون المنافقون يخرجون من النار، والمنافقون قد قال اللّه فيهم :﴿ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا ﴾ [ النساء : ١٤٥ ]، وقد نهى اللّه نبيه عن الصلاة عليهم والاستغفار لهم، وقال له :﴿ اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لاَ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن يَغْفِرَ اللّهُ ﴾ [ التوبة : ٨٠ ]، وقال :﴿ وَلاَ تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَدًا وَلاَ تَقُمْ عَلَىَ قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُواْ وَهُمْ فَاسِقُونَ ﴾ [ التوبة : ٨٤ ]، وقد أخبر أنهم كفروا باللّه ورسوله.