وهؤلاء إنما يأمرون بالزهد فى الدنيا لينقطع تعلق النفس بها وقت فراق النفس، فلا تبقى النفس مفارقة لشىء يحبه، لكن أبو حامد لا يبيح محظورات الشرع قط، بل يقول : قتل واحد من هؤلاء خير من قتل عدد كثير من الكفار.
وأما هؤلاء فالواصل عندهم إلى العلم المطلوب قد يبيحون له محظورات الشرائع، حتى الفواحش والخمر وغيرها، إذا كانوا ممن يعتقد تحريم الخمر، وإلا فغالب هؤلاء لا يوجبون شريعة الإسلام، بل يجوزون التهود والتنصر، وكل من كان من هؤلاء واصلا إلى علمهم فهو سعيد.
وهكذا تقول الاتحادية منهم؛ كابن سبعين، وابن هود، والتلمسانى، ونحوهم، ويدخلون مع النصارى بِيَعَهُم [ جمع بيعة، وهى متعبد النصارى ]، ويصلون معهم إلى الشرق، ويشربون معهم ومع اليهود الخمر، ويميلون إلى دين النصارى أكثر من دين المسلمين لما فيه من إباحة المحظورات؛ ولأنهم أقرب إلى الاتحاد والحلول؛ ولأنهم أجهل فيقبلون ما يقولونه أعظم من قبولهم لقول المسلمين، وعلماء النصارى جهال إذا كان فيهم متفلسف عظموه، وهؤلاء يتفلسفون.
والواحد من هؤلاء يفرح إذا قيل له : لست بمسلم، ويحكى عن نفسه كما كان أحمد الماردينى وهو من أصحاب ابن عربى يحكى عن نفسه أنه دخل إلى بعض ديارات النصارى ليأخذ منهم ما يأكله هو ورفيقه، فأخذ بعضهم يتكلم فى المسلمين، ويقول : يقولون : كذا وكذا، فقال له آخر : لا تتكلم فى المسلمين فهذا واحد منهم، فقال ذلك المتكلم : هذا وجهه وجه مسلم ؟ أى ليس هذا بمسلم، فصار يحكيها الماردينى أن النصرانى قال عنه : ليس هذا بمسلم، ويفرح بقول النصرانى ويصدقه فيما يقول، أى ليس هو بمسلم.
والمتفلسفة يصرحون بهذا. يقولون : قلنا : كذا وكذا، وقال المسلمون : كذا وكذا، وربما قالوا : قلنا : كذا، وقال المِلِّيُّون : كذا أى : أهل الملل من المسلمين واليهود والنصارى وكتبهم مشحونة بهذا، ولا بد لأحدهم عند أهل الملل أن يكون على دينهم.


الصفحة التالية
Icon