والعابدون إنما مقصودهم أن يعبدوا من هو إله يستحق العبادة، فإذا قيل لهم : كل ما سوى اللّه ليس بإله، إنما الإله هو اللّه وحده، كان هذا نهياً لهم عن عبادة ما سواه، وأمرا بعبادته.
وأيضاً فلو لم يكن هناك طالب للعبادة فلفظ الإله يقتضى أنه يستحق العبادة، فإذا أخبر أنه هو المستحق للعبادة دون ما سواه كان ذلك أمراً بما يستحقه.
وليس المراد هنا بـ ( الإله ) من عبده عابد بلا استحقاق، فإن هذه الآلهة كثيرة، ولكن تسميتهم آلهة والخبر عنهم بذلك واتخاذهم معبودين أمر باطل، كما قال تعالى :﴿ إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاء سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَاؤُكُم مَّا أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ ﴾ [ النجم : ٢٣ ]، وقال :﴿ ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ ﴾ [ الحج : ٢٦ ].
فالآلهة التى جعلها عابدوها آلهة يعبدونها كثيرة، لكن هى لا تستحق العبادة فليست بآلهة، كمن جعل غيره شاهداً أو حاكماً أو مفتياً أو أميراً وهو لا يحسن شيئا من ذلك.
ولابد لكل إنسان من إله يألهه ويعبده، ( تعس عبد الدينار وعبد الدرهم )، فإن بعض الناس قد أله ذلك محبة وذلا وتعظيما، كما قد بسط فى غير هذا الموضع.
فإذا شهد اللّه أنه لا إله إلا هو، فقد حكم وقضى بألا يعبد إلا إياه.
وأيضاً فلفظ الحكم والقضاء يستعمل فى الجمل الخبرية، فيقال للجمل الخبرية : قضية، ويقال : قد حكم فيها بثبوت هذا المعنى وانتفاء هذا المعنى، وكل شاهد ومخبر هو حاكم بهذا الاعتبار قد حكم بثبوت ما أثبته ونفى ما نفاه حكما خبريا، قد يتضمن حكما طلبيا.
فصل
وشهادة الرب وبيانه وإعلامه يكون بقوله تارة، وبفعله تارة.