ومن هذا الباب قوله تعالى :﴿ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ ﴾ [ النمل : ٥٩ ]، فقوله تعالى :﴿ ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً عَبْدًا مَّمْلُوكًا لاَّ يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَمَن رَّزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقًا حَسَنًا فَهُوَ يُنفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَجَهْرًا هَلْ يَسْتَوُونَ الْحَمْدُ لِلّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ وَضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً رَّجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لاَ يَقْدِرُ عَلَىَ شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّههُّ لاَ يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَن يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ﴾ [ النحل : ٧٥، ٧٦ ]، كلاهما مثل بين الله فيه أنه لا يستوى هو وما يشركون به، كما ذكر نظير ذلك فى غير موضع، وإن كان هذا الفرق معلوما بالضرورة لكل أحد، لكنْ المشركون مع اعترافهم بأن آلهتم مخلوقة مملوكة له، يسوون بينه وبينها فى المحبة والدعاء، والعبادة ونحو ذلك.
والمقصود هنا أن الرب ـ سبحانه ـ على صراط مستقيم، وذلك بمنزلة قوله :﴿ قّائٌمْا بٌالًقٌسًط ﴾، فإن الاستقامة والاعتدال متلازمان، فمن كان قوله وعمله بالقسط كان مستقيما، ومن كان قوله وعمله مستقيما كان قائما بالقسط.
ولهذا أمرنا الله ـ سبحانه ـ أن نسأله أن يهدينا الصراط المستقيم صراط الذين أنعم عليهم من النبيين، والصديقين، والشهداء والصالحين، وصراطهم هو العدل والميزان؛ ليقوم الناس بالقسط، والصراط المستقيم هو العمل بطاعته وترك معاصيه، فالمعاصى كلها ظلم مناقض للعدل مخالف للقيام بالقسط والعدل، والله ـ سبحانه ـ أعلم.

فصل



الصفحة التالية
Icon