مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّهُ } [ الشورى : ٢١ ]، لكن هذا وهذا قد يقعان في خفي الأمور ودقيقها باجتهاد من أصحابها استفرغوا فيه وُسْعَهم في طلب الحق، ويكون لهم من الصواب والاتباع ما يغمر ذلك، كما وقع مثل ذلك من بعض الصحابة في مسائل الطلاق والفرائض ونحو ذلك، ولم يكن منهم مثل هذا في جلي الأمور وجليلها؛ لأن بيان هذا من الرسول كان ظاهرًا بينهم فلا يخالفه إلا من يخالف الرسول، وهم معتصمون بحبل اللّه يحكمون الرسول فيما شجر بينهم، لا يتقدمون بين يدي اللّه ورسوله، فضلا عن تعمد مخالفة اللّه ورسوله.
فلما طال الزمان، خفي على كثير من الناس ما كان ظاهرًا لهم، ودَقَّ على كثير من الناس ما كان جليًا لهم، فكثر من المتأخرين مخالفة الكتاب والسنة ما لم يكن مثل هذا في السلف.
وإن كانوا مع هذا مجتهدين معذورين، يغفر اللّه لهم خطاياهم، ويثيبهم على اجتهادهم.
وقد يكون لهم من الحسنات ما يكون للعامل منهم أجر خمسين رجلاً يعملها في ذلك الزمان؛ لأنهم كانوا يجدون من يعينهم على ذلك، وهؤلاء المتأخرون لم يجدوا من يعينهم على ذلك، لكن تضعيف الأجر لهم في أمور لم يضعف للصحابة لا يلزم أن يكونوا أفضل من الصحابة، ولا يكون فاضلهم كفاضل الصحابة؛ فإن الذي سبق إليه الصحابة من الإيمان والجهاد، ومعاداة أهل الأرض في موالاة الرسول وتصديقه، وطاعته فيما يخبر به ويوجبه قبل أن تنتشر دعوته، وتظهر كلمته، وتكثر أعوانه وأنصاره، وتنتشر دلائل نبوته، بل مع قلة المؤمنين وكثرة الكافرين والمنافقين، وإنفاق المؤمنين أموالهم في سبيل اللّه ابتغاء وجهه في مثل تلك الحال أمر ما بقى يحصل مثله لأحد، كما في الصحيحين عنه ﷺ :( لا تَسُبُّوا أصحابي، فوالذي نفسي بيده، لو أنفق أحدكم مثل أُحُد ذهبًا ما بلغ مُدَّ أحدهم ولا نَصِيفَه ).


الصفحة التالية
Icon