ورجال الغيب هم الجن، وهو يحسب أنه إنسي، وقد يقول له : أنا الخضر، أو إلياس. بل أنا محمد، أو إبراهيم الخليل أو المسيح، أو أبو بكر، أو عمر، أو أنا الشيخ فلان، أو الشيخ فلان ممن يحسن بهم الظن، وقد يطير به في الهواء، أو يأتيه بطعام أو شراب أو نفقة، فيظن هذا كرامة، بل آية ومعجزة تدل على أن هذا من رجال الغيب أو من الملائكة، ويكون ذلك شيطانًا لَبَّس عليه، فهذا ومثله واقع كثيرًا، أعرف منه وقائع كثيرة، كما أعرف من الغلط في السمعيات والعقليات.
فهؤلاء يتبعون ظنًا لا يغني من الحق شيئًا، ولو لم يتقدموا بين يدي اللّه ورسوله، بل اعتصموا بالكتاب والسنة، لتبين لهم أن هذا من الشيطان، وكثير من هؤلاء يتبع ذوقه ووَجْده وما يجده محبوبًا إليه بغير علم ولا هدى ولا بصيرة، فيكون متبعًا لهواه بلا ظن، وخيارهم من يتبع الظن وما تهوى الأنفس. وهؤلاء إذا طلب من أحدهم حجة ذكر تقليده لمن يحبه من آبائه وأسلافه، كقول المشركين :﴿ إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّقْتَدُون ﴾ [ الزخرف : ٢٣ ]، وإن عكسوا احتجوا بالقدر، وهو أن اللّه أراد هذا وسلطنا عليه، فهم يعملون بهواهم وإرادة نفوسهم بحسب قدرتهم كالملوك المسلطين، وكان الواجب عليهم أن يعملوا بما أمر اللّه، فيتبعون أمر اللّه وما يحبه ويرضاه، لا يتبعون إرادتهم وما يحبونه هم ويرضونه، وأن يستعينوا باللّه، فيقولون :﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾ [ الفاتحة : ٥ ]، لا حول ولا قوة إلا باللّه، لا يعتمدون على ما أوتوه من القوة والتصرف والحال؛ فإن هذا من الجَدّ، وقد كان النبي ﷺ يقول عقب الصلاة وفي الاعتدال بعد الركوع :( اللّهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجَدِّ منك الجَدُّ ).


الصفحة التالية
Icon