فكل من كان من أهل الإلهام والخطاب والمكاشفة لم يكن أفضل من عمر، فعليه أن يسلك سبيله في الاعتصام بالكتاب والسنة، تبعًا لما جاء به الرسول، لا يجعل ما جاء به الرسول تبعًا لما ورد عليه، وهؤلاء الذين أخطؤوا وضلوا وتركوا ذلك واستغنوا بما ورد عليهم، وظنوا أن ذلك يغنيهم عن اتباع العلم المنقول.
وصار أحدهم يقول : أخذوا علمهم ميتًا عن ميت، وأخذنا علمنا عن الحي الذي لا يموت، فيقال له : أما ما نقله الثقات عن المعصوم فهو حق، ولولا النقل المعصوم لكنت أنت وأمثالك إما من المشركين، وإما من اليهود والنصارى، وأما ما ورد عليك فمن أين لك أنه وحي من اللّه ؟ ومن أين لك أنه ليس من وحي الشيطان ؟
والوحي وحيان : وحي من الرحمن، ووحي من الشيطان، قال تعالى :﴿ وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى
أَوْلِيَآئِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ ﴾
[ الأنعام : ١٢١ ]، وقال تعالى :﴿ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نِبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا ﴾ [ الأنعام : ١١٢ ]، وقال تعالى :﴿ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَن تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ ﴾ [ الشعراء : ٢٢١ ]، وقد كان المختار بن أبي عبيد من هذا الضرب، حتى قيل لابن عمر وابن عباس، قيل لأحدهما : إنه يقول : إنه يوحى إليه، فقال :﴿ وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَآئِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ ﴾ وقيل للآخر : إنه يقول : إنه ينزل عليه، فقال :﴿ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَن تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ ﴾.


الصفحة التالية
Icon