وهؤلاء الذين لهم مكاشفات ومخاطبات يرون ويسمعون ما له وجود في الخارج، وما لا يكون موجودًا إلا في أنفسهم كحال النائم، وهذا يعرفه كل أحد، ولكن قد يرون في الخارج أشخاصًا يرونها عيانًا، وما في خيال الإنسان لا يراه غيره ويخاطبهم أولئك الأشخاص، ويحملونهم ويذهبون بهم إلى عرفات فيقفون بها، وإما إلى غير عرفات، ويأتونهم بذهب وفضة، وطعام ولباس، وسلاح وغير ذلك، ويخرجون إلى الناس ويأتونهم أيضًا بمن يطلبونه، مثل من يكون له إرادة في امرأة أو صبي، فيأتونه بذلك إما محمولاً في الهواء وإما بسعي شديد، ويخبر أنه وجد في نفسه من الباعث القوي ما لم يمكنه المقام معه أو يخبر أنه سمع خطابًا، وقد يقتلون له من يريد قتله من أعدائه أو يمرضونه. فهذا كله موجود كثيرًا، لكن من الناس من يعلم أن هذا من الشيطان، وأنه من السحر، وأن ذلك حصل بما قاله وعمله من السحر.
ومنهم من يعلم أن ذلك من الجن، ويقول : هذا كرامة أكرمنا بتسخير الجن لنا، ومنهم من لا يظن أولئك الأشخاص إلا آدميين أو ملائكة، فإن كانوا غير معروفين قال : هؤلاء رجال الغيب، وإن تسموا فقالوا : هذا هو الخضر، وهذا هو إلياس، وهذا هو أبو بكر وعمر، وهذا هو الشيخ عبد القادر أو الشيخ عدي أو الشيخ أحمد الرفاعي أو غير ذلك، ظن أن الأمر كذلك.
فهنا لم يغلط لكن غلط عقله حيث لم يعرف أن هذه شياطين تمثلت على صور هؤلاء، وكثير من هؤلاء يظن أن النبي ﷺ نفسه أو غيره من الأنبياء أو الصالحين يأتيه في اليقظة، ومن يرى ذلك عند قبر النبي ﷺ أو الشيخ وهو صادق في أنه إياه من قال : إنه النبي، أو الشيخ، أو قيل له ذلك فيه، لكن غلط حيث ظن صدق أولئك.