والذي أوتيه ﷺ أعظم مما أوتيه سليمان؛ فإنه استعمل الجن والإنس في عبادة اللّه وحده، وسعادتهم في الدنيا والآخرة، لا لغرض يرجع إليه إلا ابتغاء وجه اللّه وطلب مرضاته، واختار أن يكون عبدًا رسولا على أن يكون نبيًا ملكا، فداود وسليمان ويوسف أنبياء ملوك، وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد رسل عبيد، فهو أفضل، كفضل السابقين المقربين على الأبرار أصحاب اليمين. وكثير ممن يرى هذه العجائب الخارقة يعتقد أنها من كرامات الأولياء، وكثير من أهل الكلام والعلم لم يعرفوا الفرق بين الأنبياء والصالحين في الآيات الخارقة وما لأولياء الشيطان من ذلك ـ من السحرة والكهان والكفار من المشركين وأهل الكتاب، وأهل البدع والضلال من الداخلين في الإسلام ـ فجعلوا الخوارق جنسًا واحدًا، وقالوا : كلها يمكن أن تكون معجزة إذا اقترنت بدعوى النبوة والاستدلال بها والتحدي بمثلها.
وإذا ادعى النبوة من ليس بنبي من الكفار والسحرة فلابد أن يسلبه اللّه ما كان معه من ذلك، وأن يقيض له من يعارضه، ولو عارض واحد من هؤلاء النبي لأعجزه اللّه، فخاصة المعجزات عندهم مجرد كون المرسل إليهم لا يأتون بمثل ما أتى به النبي مما لم يكن معتادًا للناس، قالوا : إن عجز الناس عن المعارضة خرق عادة، فهذه هي المعجزات عندهم، وهم ضاهوا سلفهم من المعتزلة الذين قالوا : المعجزات هي خرق العادة، لكن أنكروا كرامات الصالحين، وأنكروا أن يكون السحر والكهانة إلا من جنس الشعبذة والحيل، لم يعلموا أن الشياطين تعين على ذلك، وأولئك أثبتوا الكرامات ثم زعموا أن المسلمين أجمعوا على أن هذه لا تكون إلا لرجل صالح أو نبي، قالوا : فإذا ظهرت على يد رجل كان صالحًا بهذا الإجماع.
وهؤلاء ـ أنفسهم ـ قد ذكروا أنه يكون للسحرة ما هو مثلها، وتناقضوا في ذلك، كما قد بسط في غير هذا الموضع.