كما جرى مثل هذا لي. كنت في مصر في قلعتها، وجرى مثل هذا إلى كثير من الترك من ناحية المشرق، وقال له ذلك الشخص : أنا ابن تيمية، فلم يشك ذلك الأمير أني أنا هو، وأخبر بذلك ملك ماردين، وأرسل بذلك ملك ماردين إلى ملك مصر رسولاً وكنت في الحبس، فاستعظموا ذلك وأنا لم أخرج من الحبس، ولكن كان هذا جنيًا يحبنا فيصنع بالترك التتر مثل ما كنت أصنع بهم؛ لما جاؤوا إلى دمشق : كنت أدعوهم إلى الإسلام، فإذا نطق أحدهم بالشهادتين أطعمتهم ما تيسر، فعمل معهم مثل ما كنت أعمل، وأراد بذلك إكرامي ليظن ذاك أني أنا الذي فعلت ذلك.
قال لي طائفة من الناس : فلم لا يجوز أن يكون ملكًا ؟ قلت : لا. إن الملك لا يكذب، وهذا قد قال : أنا ابن تيمية، وهو يعلم أنه كاذب في ذلك.
وكثير من الناس رأى من قال : إني أنا الخضر، وإنما كان جنيًا.
ثم صار من الناس من يكذب بهذه الحكايات إنكارًا لموت الخضر، والذين قد عرفوا صدقها يقطعون بحياة الخضر، وكلا الطائفتين مخطئ، فإن الذين رأوا من قال : إني أنا الخضر، هم كثيرون صادقون، والحكايات متواترات، لكن أخطؤوا في ظنهم أنه الخضر، وإنما كان جنيًا؛ ولهذا يجري مثل هذا لليهود والنصارى، فكثيرًا ما يأتيهم في كنائسهم من يقول : إنه الخضر، وكذلك اليهود يأتيهم في كنائسهم من يقول : إنه الخضر، وفي ذلك من الحكايات الصادقة ما يضيق عنه هذا الموضع، يبين صدق من رأى شخصًا وظن أنه الخضر، وأنه غلط في ظنه أنه الخضر، وإنما كان جنيًا، وقد يقول : أنا المسيح، أو موسى، أو محمد، أو أبو بكر، أو عمر، أو الشيخ فلان، فكل هذا قد وقع، والنبي ﷺ قال :( من رآني في المنام فقد رآني حقا، فإن الشيطان لا يتمثل في صورتي ). قال ابن عباس : في صورته التي كان عليها في حياته. وهذه رؤية في المنام، وأما في اليقظة فمن ظن أن أحدًا من الموتى يجىء بنفسه للناس عيانًا قبل يوم القيامة، فمن جهله أتي.