وقوله :﴿ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُواْ فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ ﴾ قيل : هم اليهود، وقيل : النصارى، والآية تعم الطائفتين، وقوله :﴿ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ ﴾ قيل : من قتله، وقيل :﴿ مِّنْهُ ﴾ أي في شك منه، هل صلب أم لا، كما اختلفوا فيه فقالت اليهود : هو ساحر، وقالت النصارى : إنه إله، فاليهود والنصارى اختلفوا هل صلب أم لا، وهم في شك من ذلك :﴿ مَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ ﴾ [ النساء : ١٥٧ ]، فإذا كان هذا في الصلب، فكيف في الذي جاء بعد الرفع وقال : إنه هو المسيح ؟
فإن قيل : إذا كان الحواريون الذين أدركوه قد حصل هذا في إيمانهم، فأين المؤمنون به الذين قال فيهم :﴿ وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُواْ ﴾ [ آل عمران : ٥٥ ]، وقوله :﴿ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آَمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ ﴾ [ الصف : ١٤ ] ؟
قيل : ظن من ظن منهم أنه صلب لا يقدح في إيمانه إذا كان لم يحرف ما جاء به المسيح، بل هو مقر بأنه عبد اللّه ورسوله، وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، فاعتقاده بعد هذا أنه صلب لا يقدح في إيمانه؛ فإن هذا اعتقاد موته على وجه معين، وغاية الصلب أن يكون قتلاً له، وقتل النبي لا يقدح في نبوته، وقد قتل بنو إسرائيل كثيرًا من الأنبياء. وقال تعالى :﴿ وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ ﴾ [ آل عمران : ١٤٦ ] الآية، وقال تعالى :﴿ وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ ﴾ [ آل عمران : ١٤٤ ].


الصفحة التالية
Icon