وإذا صَلُّوا صَلُّوا صلاة المنافقين، يقومون إليها وهم كسالى يراؤون الناس ولا يذكرون الله إلا قليلا، فقد أضاعوا الصلاة، واتبعوا الشهوات، ومع هذا فهم قد يزهدون فى بعض الطيبات التى أحلها الله لهم، ويجتهدون فى عبادات وأذكار، لكن مع بدعة وأفعال لا تجوز، مما تقدم ذكره، فتلك البدعة هي التى أوقعتهم فى اتباع الشهوات، وإضاعة الصلوات؛ لأن الشريعة مثالها مثال سفينة نوح؛ من ركبها نجا، ومن تخلف عنها غرق، وهؤلاء تخلفوا عنها فغرقوا بحبهم، ويتوب اللّه على من تاب.
والسالكون للشريعة المحمدية، إذا ابتلوا بالذنوب لم تكن التوبة عليهم من الآصار والأغلال، بل من الحنيفية السمحة، وأما أهل البدع فقد تكون التوبة عليهم آصاراً وأغلالا، كما كانت على من قبلنا من الرهبان؛ فإنهم إذا وقع أحدهم في الذنب لم يخلص من شره إلا ببلاء شديد، من أجل خروجه عن السنة.
وهؤلاء قد يظن أحدهم أنه لا يمكنه السلوك إلى اللّه ـ تعالى ـ إلا ببدعة.
وكذلك أهل الفجور المترفين، قد يظن أحدهم أنه لا يمكنه فعل الواجبات إلا بما يفعله من الذنوب، ولا يمكنه ترك المحرمات إلا بذلك، وهذا يقع لبشر كثير من الناس.
منهم من يقول : إنه لا يمكن أداء الصلوات واجتناب الكلام المحرم ـ من الغيبة وغيرها ـ إلا بأكل الحشيشة.
ويقول الآخر : إنّ أكْلَها يعينه على استنباط العلوم وتصفية الذهن، حتى يسميها بعضهم معدن الفكر والذكر، ومحركة العزم الساكن، وكل هذا من خدع النفس ومكر الشيطان بهؤلاء وغيرهم، وإنها لعمى الذهن، ويصير آكلها أبكم مجنوناً لا يَعِي ما يقول.


الصفحة التالية
Icon