فلا ينجون من عذاب اللّه إلا من أخلص للّه دينه وعبادته، ودعاه مخلصًا له الدين، ومن لم يشرك به ولم يعبده فهو معطل عن عبادته وعبادة غيره؛ كفرعون وأمثاله، فهو أسوأ حالا من المشرك، فلابد من عبادة الله وحده، وهذا واجب على كل أحد، فلا يسقط عن أحد البتة، وهو الإسلام العام الذى لا يقبل الله دينا غيره.
ولكن لا يعذب الله أحداً حتى يبعث إليه رسولا، وكما أنه لا يعذبه فلا يدخل الجنة إلا نفس مسلمة مؤمنة، ولا يدخلها مشرك ولا مستكبر عن عبادة ربه، فمن لم تبلغه الدعوة فى الدنيا امتحن فى الآخرة، ولا يدخل النار إلا من اتبع الشيطان، فمن لا ذنب له لا يدخل النار، ولا يعذب اللّه بالنار أحداً إلا بعد أن يبعث إليه رسولا، فمن لم تبلغه دعوة رسول إليه كالصغير والمجنون، والميت في الفترة المحضة، فهذا يمتحن في الآخرة كما جاءت بذلك الآثار.
فيجب الفرق في الواجبات والمحرمات ـ والتمييز بينهما هو اللازم لكل أحد على كل حال، وهو العدل فى حق الله وحق عباده بأن يعبدوا الله مخلصا له الدين، ولا يظلم الناس شيئاً، وما هو محرم على كل أحد فى كل حال لا يباح منه شىء، وهو الفواحش والظلم والشرك، والقول على الله بلا علم ــ وبين ما سوى ذلك.
قال تعالى :﴿ قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا ﴾ [ الأنعام : ١٥١ ]، فهذا محرم مطلقاً لا يجوز منه شىء، ﴿ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ﴾، فهذا فيه تقييد؛ فإن الوالد إذا دعا الولد إلى الشرك ليس له أن يطيعه بل له أن يأمره وينهاه، وهذا الأمر والنهى للوالد هو من الإحسان إليه، وإذا كان مشركا جاز للولد قتله، وفي كراهته نزاع بين العلماء.