وكذلك الخيانة والسرقة يتعذر إقامة البينة عليهما فى العادة، ومن يستحل أن يسرق فقد لا يتورع عن الكذب، فإذا لم يكن لوث فالأصل براءة الذمة، أما إذا ظهر لوث بأن يوجد بعض المسروق عنده فيحلف المدعي ويأخذ، وكذلك لو حلف المدعى عليه ابتداء ثم ظهر بعض المسروق عند من اشتراه أو انتهبه أو أخذه منه؛ فإن هذا اللوث في تغليب الظن أقوى، لكن فى الدم قد يتيقن القتل ويشك فى عين القاتل، فالدعوى إنما هي بالتعيين.
وأما فى الأموال، فتارة يتيقن ذهاب المال وقدره، مثل أن يكون معلوما في مكان معروف، وتارة يتيقن ذهاب مال لا قدره، بأن يعلم أنه كان هناك مال وذهب، وتارة يتيقن هتك الحرز ولا يدرى أذهب بشيء أم لا ؟ هذا فى دعوى السرقة، وأما فى دعوى الخيانة فلا تعلم الخيانة، فإذا ظهر بعض المال المتهم به عند المدعي عليه أو من قبضه منه ظهر اللوث بترجيح جانب المدعى، فإن تحليف المدعى عليه حينئذ بعيد.
وقول النبى ﷺ :( لو يعطى الناس بدعواهم لادَّعَى قوم دماء قوم وأموالهم، ولكن اليمين على المدَّعى عليه ). جمع فيه الدماء والأموال، فكما أن الدماء إذا كان مع المدعى لوث حلف فكذلك الأموال، كما حلفناه مع شاهده، فكل ما يغلب على الظن صدقه فهو بمنزلة شاهده، كما جعلنا فى الدماء الشهادة المزورة لنقص نصابها أو صفاتها لوثا، وكذلك فى الأموال جعل الشاهد مع اليمين، فالشاهد المزور مع لوث وهو... [ بياض بالأصل ] لكن ينبغي أن تعتبر فى هذا حال المدعى والمدعى عليه فى الصدق والكذب؛ فإن باب السرقة والخيانة لا يفعله إلا فاسق، فإن كان من أهل ذلك لم يكن... [ خرم بالأصل ] إذا لم يكن إلا عدلا، وكذلك المدعى قد يكذب، فاعتبار العدالة والفسق فى هذا يدل عليه قول الأنصاري : كيف نرضى بأيمان قوم كفار ؟ فعلم أن المتهم إذا كان فاجرا فللمدعى ألا يرضى بيمينه؛ لأنه من يستحل أن يسرق، يستحل أن يحلف.