وأما أجل الموت فهذا تعرفه الملائكة الذين يكتبون رزق العبد، وأجله وعمله، وشقى أو سعيد، كما قال فى الصحيحين عن ابن مسعود قال : حدثنا رسول الله ﷺ ـ وهو الصادق المصدوق ـ :( إن أحدكم يُجمَع خلقه فى بطن أمه أربعين يوما نُطْفَة، ثم يكون عَلَقَة مثل ذلك، ثم يكون مُضْغَة مثل ذلك، ثم يبعث إليه الملك، فيؤمر بأربع كلمات، فيقال : اكتب رزقه، وأجله، وعمله، وشقى أو سعيد ثم ينفخ فيه الروح )، فهذا الأجل الذي هو أجل الموت قد يعلمه الله لمن شاء من عباده.
وأما أجل القيامة المسمى عنده فلا يعلمه إلا هو.
وأما قوله :﴿ وَمَا يُعَمَّرُ مِن مُّعَمَّرٍ وَلَا يُنقَصُ مِنْ عُمُرِهِ ﴾ [ فاطر : ١١ ]، فقد قيل : إن المراد الجنس، أي ما يعمر من عمر إنسان، ولا ينقص من عمر إنسان، ثم التعمير والتقصير يراد به شيئان :
أحدهما : أن هذا يطول عمره، وهذا يقصر عمره، فيكون تقصيره نقصاً له بالنسبة إلى غيره، كما أن المعمر يطول عمره، وهذا يقصر عمره، فيكون تقصيره نقصاً له بالنسبة إلى غيره، كما أن التعمير زيادة بالنسبة إلى آخر.
وقد يراد بالنقص النقص من العمر المكتوب، كما يراد بالزيادة الزيادة في العمر المكتوب، وفى الصحيحين عن النبى ﷺ أنه قال :( من سَرَّه أن يُبْسَط له في رزقه، ويُنْسَأ له فى أثره فلْيَصِلْ رَحِمَه )، وقد قال بعض الناس : إن المراد به البركة فى العمر، بأن يعمل فى الزمن القصير ما لا يعمله غيره إلا فى الكثير، قالوا : لأن الرزق والأجل مقدران مكتوبان.
فيقال لهؤلاء : تلك البركة ـ وهي الزيادة فى العمل، والنفع ـ هي أيضاً مقدرة مكتوبة، وتتناول لجميع الأشياء.
والجواب المحقق : أن الله يكتب للعبد أجلا فى صحف الملائكة، فإذا وصل رحمه زاد فى ذلك المكتوب، وإن عمل ما يوجب النقص نقص من ذلك المكتوب.


الصفحة التالية
Icon