إذ من الناس من ادَّعى فيها الاشتراك، ومنهم من ادعى المجاز، بناء على كونها منقولة من المعنى اللغوى، أو مزيدة، أو على غير ذلك، وليس الأمر كذلك، بل اسم الجنس العام المتواطئ المطلق إذا دل على نوع أو عين، كقولك : هذا الإنسان وهذا الحيوان، أو قولك : هات الحيوان الذى عندك وهى غنم، فهنا اللفظ قد دل على شيئين : على المعنى المشترك الموجود فى جميع الموارد وعلى ما يختص به هذا النوع أو العين، فاللفظ المشترك الموجود في جميع التصاريف على القدر المشترك، وما قرن باللفظ من لام التعريف مثلا أو غيرها دل على الخصوص والتعيين، وكما أن المعنى الكلى المطلق لا وجود له فى الخارج، فكذلك لا يوجد فى الاستعمال لفظ مطلق مجرد عن جميع الأمور المعينة.
فإن الكلام إنما يفيد بعد العَقْدِ والتركيب، وذلك تقييد وتخصيص كقولك : أكرم الإنسان أو الإنسان خير من الفرس. ومثله قوله :﴿ أَقِمِ الصَّلَاةَ ﴾ [ الإسراء : ٧٨ ]، ونحو ذلك. ومن هنا غلط كثير من الناس فى المعانى الكلية، حيث ظنوا وجودها فى الخارج مجردة عن القيود، وفي اللفظ المتواطئ حيث ظنوا تجرده فى الاستعمال عن القيود. والتحقيق : أنه لا يوجد المعنى الكلي المطلق في الخارج إلا معينًا مقيدًا، ولا يوجد اللفظ الدال عليه في الاستعمال إلا مقيداً مخصصاً، وإذا قدر المعنى مجرداً كان محله الذهن، وحينئذ يقدر له لفظ مجرد غير موجود فى الاستعمال مجرداً.
والمقصود هنا أن اسم الصلاة فيه عموم وإطلاق، ولكن لا يستعمل إلا مقروناً بقيد إنما يختص ببعض موارده كصلواتنا، وصلاة الملائكة، والصلاة من اللّه ـ سبحانه وتعالى ـ وإنما يغلط الناس فى مثل هذا، حيث يظنون أن صلاة هذا الصنف مثل صلاة هذا، مع علمهم بأن هذا ليس مثل هذا، فإذا لم يكن مثله لم يجب أن تكون صلاته مثل صلاته، وإن كان بينهما قدر متشابه، كما قد حققنا هذا فى الرد على الاتحادية والجهمية والمتفلسفة ونحوهم.