وقد يدخل فى ذلك ـ أيضًا ـ ذكر الله بالقلب فقط، لكن يكون الذكر فى النفس كاملا وغير كامل، فالكامل باللسان مع القلب، وغير الكامل بالقلب فقط.
ويشبه ذلك قوله تعالى :﴿ وَيَقُولُونَ فِي أَنفُسِهِمْ لَوْلَا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِمَا نَقُولُ ﴾ [ المجادلة : ٨ ]، فإن القائلين بأن الكلام المطلق كلام النفس استدلوا بهذه الآية، وأجاب عنها أصحابنا وغيرهم بجوابين :
أحدهما : أنهم قالوا بألسنتهم قولاً خفيًا.
والثانى : أنه قيده بالنفس، وإذا قيد القول بالنفس فإن دلالة المقيد خلاف دلالة المطلق. وهذا كقوله ﷺ :( إن الله تجاوز لأمتى عما حَدَّثَتْ به أنفسها ما لم تتكلم به أو تعمل به ) فقوله : حدثت به أنفسها ما لم تتكلم به : دليل على أن حديث النفس ليس هو الكلام المطلق، وأنه ليس باللسان.
وقد احتج بعض هؤلاء بقوله :﴿ وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ﴾ [ الملك : ١٣ ]، وجعلوا القول المسر فى القلب دون اللسان؛ لقوله :﴿ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ﴾، وهذه حجة ضعيفة جدًا؛ لأن / قوله :﴿ وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ ﴾ يبين أن القول يسر به تارة ويجهر به أخرى، وهذا إنما هو فيما يكون فى القول الذى هو بحروف مسموعة.
وقوله بعد ذلك :﴿ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ﴾ من باب التنبيه بالأدنى على الأعلى، فإنه إذا كان عليمًا بذات الصدور، فعلمه بالقول المسر والمجهور به أولى.
ونظيره قوله :﴿ سَوَاء مِّنكُم مَّنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَن جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ ﴾ [ الرعد : ١٠ ].


الصفحة التالية
Icon