يؤيد هذا ما رواه مسلم فى صحيحه عن عياض بن حمار المجاشعى، عن النبى ﷺ أنه قال :( إنه أوحى إلى أن تواضعوا، حتى لا يفخر أحد على أحد، ولا يبغى أحد على أحد )، فبين أن التواضع المأمور به ضد البغى والفخر. وقال فى الخيلاء التى يبغضها اللّه :( الاختيال فى الفخر والبغى )... [ بياض بالأصل ]، فكان فى ذلك ما دل على أن الاستطالة على الناس، إن كانت بغير حق فهى بغى؛ إذ البغى مجاوزة الحد، وإن كانت بحق فهى الفخر، لكن يقال على هذا : البغى يتعلق بالإرادة، فلا يجوز أن يجعل هو من باب الاعتقاد وقسيمه من باب الإرادة، بل البغى كأنه فى الأعمال والفخر فى الأقوال، أو يقال : البغى بطر الحق، والفخر غمط الناس.
الوجه الثانى : أن يكونا جميعاً متعلقين بالاعتقاد والإرادة، لكن الخيلاء غمط الحق، يعود إلى الحق فى نفسه، الذى هو حق الله، وإن لم يكن يتعلق به حق آدمى، والفخر وغمط الناس يعود إلى حق الآدميين، فيكون التنويع لتمييز حق الآدميين مما هو حق لله لا يتعلق الآدميين؛ بخلاف الشهوة فى حال الزنا، وأكل مال الغير؛ فلما قال ـ سبحانه ـ :﴿ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ مَن
كَانَ مُخْتَالاً فَخُورًا الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ ﴾ [ النساء : ٣٦، ٣٧ ] والبخل منع النافع ـ قيد هذا بهذا، وقد كتبت فيما قبل هذا من التعاليق : الكلام فى التواضع والإحسان والكلام فى التكبر والبخل.
وَقَالَ شيخ الإسلام :
قوله :﴿ مَّا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللّهِ ﴾ الآية بعد قوله :﴿ كُلًّ مِّنْ عِندِ اللّهِ ﴾ [ النساء : ٧٨، ٧٩ ]، لو اقتصر على الجمع أعرض العاصى عن ذم نفسه، والتوبة من الذنب، والاستعاذة من شره، وقام بقلبه حجة إبليس، فلم تزده إلا طرداً، كما زادت المشركين ضلالا حين قالوا :﴿ لَوْ شَاء اللّهُ مَا أَشْرَكْنَا ﴾ [ الأنعام : ١٤٨ ].