وبهذه المغفرة نال الشفاعة يوم القيامة، كما ثبت في الصحيح :( أن الناس يوم القيامة يطلبون الشفاعة من آدم، فيقول : إني نهيت عن الأكل من الشجرة فأكلت منها، نفسي، نفسي، نفسي. ويطلبونها من نوح فيقول : إني دعوت على أهل الأرض دعوة لم أومر بها، نفسي، نفسي، نفسي. ويطلبونها من الخليل، ثم من موسى، ثم من المسيح فيقول : اذهبوا إلى محمد، عَبْد غفر اللّه له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ). قال :( فيأتوني، فأنطلق، فإذا رأيت ربي خررت له ساجداً، فأحمد ربي بمحامد يفتحها على لا أحسنها الآن، فيقول : أي محمد، ارفع رأسك، وقل تُسْمَع، وسل تُعْطَ، واشفع تشفع، فأقول : أي رب، أمتي، فيحدّ لي حداً فأدخلهم الجنة ).
فالمسيح ـ صلوات الله عليه وسلامه ـ دلهم على محمد صلى الله عليه وسلم، وأخبر بكمال عبوديته للّه، وكمال مغفرة اللّه له؛ إذ ليس بين المخلوقين والخالق نسب إلا محض العبودية والافتقار من العبد،/ ومحض الجود والإحسان من الرب ـ عز وجل.
وقد ثبت في الصحيحين عن النبي ﷺ أنه قال :( لن يدخل أحد منكم الجنة بعمله ) قالوا : ولا أنت يارسول اللّه ؟ قال :( ولا أنا، إلا أن يَتَغَمَّدَنِي اللّه برحمة منه وفضل ).
وثبت عنه في الصحيح أنه كان يقول :( يأيها الناس، توبوا إلى ربكم، فو الذي نفسي بيده، إني لأستغفر اللّه وأتوب إليه في إلىوم أكثر من سبعين مرة )، وثبت عنه في الصحيح أنه قال :( إنه لَيُغَانُ على قلبي، وإني لأستغفر اللّه في إلىوم مائة مرة )، فهو ﷺ لكمال عبوديته للّه، وكمال محبته له، وافتقاره إليه، وكمال توبته واستغفاره، صار أفضل الخلق عند اللهّ، فإن الخير كله من اللّه، وليس للمخلوق من نفسه شيء، بل هو فقير من كل وجه، واللّه غني عنه من كل وجه، محسن إليه من كل وجه، فكلما ازداد العبد تواضعاً وعبودية ازداد إلى اللّه قرباً ورفعة، ومن ذلك توبته واستغفاره.
وفي الحديث عن النبي ﷺ أنه قال :( كل بني آدم خَطَّاء، وخير الخطائين التوابون ) رواه ابن ماجه والترمذي.