وهذا ـ واللّه أعلم ـ لمعنى تظهر به حكمة ما في الكتاب، وما جاءت به الشريعة من اعتبار الشهر والعام الهلإلى دون الشمسي، أن كل ما حَدَّ من الشهر والعام ينقسم في اصطلاح الأمم إلى عددي وطبيعي، فأما الشهر الهلإلى فهو طبيعي، وسنته عددية.
وأما الشهر الشمسي، فعددي، وسنته طبيعية، فأما جعل شهرنا هلإلىاً فحكمته ظاهرة؛ لأنه طبيعي وإنما علق بالهلال دون الاجتماع؛ لأنه أمر مضبوط بالحس لا يدخله خلل، ولا يفتقر إلى حساب، بخلاف الاجتماع، فإنه أمر خفي يفتقر إلى حساب، وبخلاف الشهر الشمسي لو ضبط.
وأما السنة الشمسية، فإنها وإن كانت طبيعية، فهي من جنس / الاجتماع ليس أمراً ظاهراً للحس، بل يفتقر إلى حساب سير الشمس في المنازل، وإنما الذي يدركه الحس تقريب ذلك، فإن انقضاء الشتاء ودخول الفصل الذي تسميه العرب الصيف ويسميه غيرها الربيع أمر ظاهر، بخلاف محاذاة الشمس لجزء من أجزاء الفلك يسمي برج كذا، أو محاذاتها لإحدي نقطتي الرأس، أو الذنب، فإنه يفتقر إلى حساب.
ولما كانت البروج اثني عشر، فمتي تكرر الهلإلى اثني عشر، فقد انتقل فيها كلها، فصار ذلك سنة كاملة تعلقت به أحكام ديننا من المؤقتات شرعا، أو شرطاً، إما بأصل الشرع كالصيام والحج، وإما بسبب من العبد كالعدة ومدة الإيلاء، وصوم الكفارة والنَّذْر، وإما بالشرط كالأجل في الدَّيْن والخيار، والأيمان وغير ذلك.
وقال :
هذه تفسير آيات أشكلت حتي لا يوجد في طائفة من كتب التفسير إلا ما هو خطأ فيها.
منها قوله :﴿ وَمَا يَتَّبِعُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ شُرَكَاء ﴾ [ يونس : ٦٦ ]، ظن طائفة أن ﴿ ما ﴾ نافية، وهو خطأ، بل هي استفهام، فإنهم يدعون معه شركاء، كما أخبر عنهم في غير موضع. فالشركاء يوصفون في القرآن بأنهم يدعون؛ لأنهم يتبعون وإنما يتبع الأئمة.
ولهذا قال :﴿ إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ ﴾ [ النجم : ٢٣ ]، ولو أراد النفي لقال : إن يتبعون إلا من ليسوا شركاء، بل بين أن المشرك لا علم معه إن هو إلا الظن والخَرْصُ [ الخَرْصُ : الكذب، وكل قول بالظن. انظر : القاموس المحيط، مادة : خرص ]، كقوله :﴿ قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ ﴾ [ الذاريات : ١٠ ].