ومن قال : الشاهد لسانه، وجعل الضمير المذكور عائدًا على القرآن ولم يذكر؛ لأنه جعل البينة هي القرآن، ولو كانت البينة هي القرآن / لما احتاج إلى ذلك، وقد قال : على بينة من ربه، فقد ذكر أن القرآن من الله، وقد علم أنه نزل به جبريل على محمد، وكلاهما بلغه وقرأه، فقوله :﴿ وَيَتْلُوهُ ﴾ جبريل أو محمد، تكرير لافائدة فيه؛ ولهذا لم يذكر مثل ذلك في القرآن.
وأيضًا، فكونه على القرآن لم نجد لذلك نظيرًا في القرآن؛ فإن القرآن كلام الله واحد لا يكون علىه، وإذا كان المراد على الإيمان بالقرآن والعمل به، فهذا الذي ذكرناه : إن البينة هي الإيمان بما جاء به الرسول، وهو إخباره أنه رسول الله. وأن الله أنزل القرآن علىه. ولما أنزلت هذه السورة وهي مكية، لم يكن قد نزل من القرآن قبلها إلا بعضه، وكان المأمور به حينئذ هو الإيمان بما نزل منه، فمن آمن حينئذٍ بذلك ومات على ذلك كان من أهل الجنة.
وأيضًا، فتسمية جبريل شاهدًا، لا نظير له في القرآن، وكذلك تسمية لسان الرسول شاهدًا، وتسمية على شاهدًا، لا يوجد مثل ذلك في الكتاب والسنة، بخلاف شهادة الله؛ فإن الله أخبر بشهادته لرسوله في غير موضع، وسمي ما أنزله شهادة منه في قوله :﴿ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَتَمَ شَهَادَةً عِندَهُ مِنَ اللّهِ ﴾ [ البقرة : ١٤٠ ]، فدل على أن كلام الله الذي أنزله وأخبر فيه بما أخبر شهادة منه.