فعلم أن يوسف لم يترك الفاحشة لأجله، ولا لخوفه منه، بل قد علم يقينًا أنه لم يكن يخاف منه، وأن يوسف لو أعطاها ما طلبت، لم يكن الزوج يدرى، ولو درى فلعله لم يكن ينكر؛ فإنه قد درى بالمراودة والخُلْوَةَ التى هى مقتضية لذلك فى الغالب فلم ينكر، ولو قدر أنه هَمَّ بعقوبة يوسف فكانت هى الحاكمة على الزوج القاهرة له. وقد قال النبى ﷺ :( ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل الحازم من إحداكن )، ولما راجعنه فى إمامة الصديق قال :( إنكن لأنتن صواحب يوسف )، ولما أنشده الأعشى :
وهن شر غالب لمن غلب
استعاد ذلك منه وقال : وهن شَرُّ غالب لمن غلب. فكيف لا تغلب مثل هذا الزوج وتمنعه من عقوبة يوسف ؟ وقد عهد الناس خلقًا من الناس تغلبهم نساؤهم، من نساء التتر وغيرهم، يكون لامرأته غرض فاسد فى فتاه، أو فتاها، وتفعل معه ما تريد، وإن أراد الزوج أن يكشف أو يُعَاقِب منعته ودفعته، بل وأهانته وفتحت عليه أبوابًا من الشر بنفسها، وأهلها وحَشَمِهَا، والمطالبة بصداقها وغير ذلك، حتى يتمنى الرجل الخلاص منها رأسًا برأس، مع كون الرجل فيه غيرة فكيف مع ضعف الغيرة ؟ !
فهذا كله يبين أن الداعى ليوسف إلى ترك الفاحشة كان خوف الله لا خوفًا من السيد؛ فلهذا قال :﴿ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ ﴾ [ يوسف : ٢٣ ]، قيل : هذا مما يبين محاسن يوسف، ورعايته لحق الله وحق المخلوقين، ودفعه الشر بالتى هى أحسن، فإن الزنا بامرأة الغير فيه حقان مانعان، كل منهما مستقل بالتحريم.


الصفحة التالية
Icon