والناس إذا تعاونوا على الإثم والعدوان أبغض بعضهم بعضًا، وإن كانوا فعلوه بتراضيهم، قال طاوس : ما اجتمع رجلان على غير ذات الله إلا تفرقا عن تقال، وقال الخليل عليه السلام :﴿ إِنَّمَا اتَّخَذْتُم مِّن دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا مَّوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُم بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُم بَعْضًا وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن نَّاصِرِينَ ﴾ [ العنكبوت : ٢٥ ]، وهؤلاء لا يكفر بعضهم ببعض، ويلعن بعضهم بعضًا لمجرد كونه عصى الله، بل لما حصل له بمشاركته ومعاونته من الضرر. وقال تعالى عن أهل الجنة التى أصبحت كالصَّرِيم :﴿ فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَلَاوَمُونَ ﴾ [ القلم : ٣٠ ]، أى : يلوم بعضهم بعضًا، وقال :﴿ الْأَخِلَّاء يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ ﴾ [ الزخرف : ٦٧ ].
فالمُخَالّة [ أى : الصداقة، بالفتح، والضم لغة ] إذا كانت على غير مصلحة الاثنين؛ كانت عاقبتها عدواة، وإنما تكون على مصلحتهما إذا كانت فى ذات الله، فكل منهما وإن بذل للآخر إعانة على ما يطلبه واستعان به بإذنه فيما يطلبه، فهذا التراضى لا اعتبار به، بل يعود تباغضًا وتعاديا وتلاعنًا، وكل منهما يقول للآخر : لولا أنت ما فعلت أنا وحدى هذا، فَهَلاكِى كان منى ومنك.
والرب لا يمنعهما من التباغض والتعادى والتلاعن، فلو كان أحدهما ظالمًا للآخر فيه لنهى عن ذلك، ويقول كل منهما للآخر : أنت لأجل غرضك أوقعتنى فى هذا، كالزانيين كل منهما يقول للآخر : لأجل غرضك فعلتَ معى هذا، ولو امتنعتَ لم أفعل أنا هذا، لكن كل منهما له على الآخر مثل ما للآخر عليه؛ فتعادلا.


الصفحة التالية
Icon