ولهذا كان الخطاب في السور المكية :﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ ﴾ لعموم الدعوة إلى الأصول؛ إذ لا يدعي إلى الفرع من لا يقر بالأصل، فلما هاجر النبي ﷺ إلى المدينة وعز بها أهل الإيمان، وكان بها أهل الكتاب، خُوطِبَ هؤلاء وهؤلاء؛ فهؤلاء :﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ ﴾، وهؤلاء :﴿ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ ﴾، أو ﴿ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ ﴾ ولم ينزل بمكة شيء من هذا، ولكن في السور المدنية خطاب :﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ ﴾، كما في سورة النساء، وسورة الحج وهما مدنيتان، وكذا في البقرة.
وهذا يعَكِّر على قول الحَبْرِ ابن عباس؛لأن الحكم المذكور يشمل جنس الناس، والدعوة بالاسم الخاص لا تنافي الدعوة بالاسم العام، / فالمؤمنون داخلون في الخطاب بـ ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ ﴾، وفي الخطاب بـ ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ ﴾، فالدعوة إلى الله تتضمن الأمر بكل ما أمر الله به، والنهي عن كل ما نهي الله عنه، وهذا هو الأمر بكل معروف، والنهي عن كل منكر.
والرسول ﷺ قام بهذه الدعوة، فإنه أمر الخلق بكل ما أمر الله به، ونهاهم عن كل ما نهي الله عنه، أمر بكل معروف، ونهي عن كل منكر. قال تعالى :﴿ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ ﴾ [ الأعراف : ١٥٦، ١٥٧ ].


الصفحة التالية
Icon