ودعوته إلى الله هي بإذنه لم يشرع دينًا لم يأذن به الله، كما قال تعالى :﴿ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُّنِيرًا ﴾ [ الأحزاب : ٤٥، ٤٦ ]، خلاف الذين ذمهم في قوله :﴿ أَمْ لَهُمْ شُرَكَاء شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّهُ ﴾ [ الشوري : ٢١ ]، وقد قال تعالى :﴿ قُلْ أَرَأَيْتُم مَّا أَنزَلَ اللّهُ لَكُم مِّن رِّزْقٍ فَجَعَلْتُم مِّنْهُ حَرَامًا وَحَلاَلاً قُلْ آللّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللّهِ تَفْتَرُونَ ﴾ [ يونس : ٥٩ ].
ومما يبين ما ذكرناه : أنه سبحانه يذكر أنه أمره بالدعوة إلى الله تارة، وتارة بالدعوة إلى سبيله، كما قال تعالى :﴿ ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ﴾ [ النحل : ١٢٥ ]، وذلك أنه قد علم أن الداعي الذي يدعو غيره إلى أمر لابد فيما يدعو إليه من أمرين :
أحدهما : المقصود المراد.
والثاني : الوسيلة والطريق الموصل إلى المقصود؛ فلهذا يذكر الدعوة تارة إلى الله وتارة إلى سبيله؛ فإنه ـ سبحانه ـ هو المعبود المراد المقصود بالدعوة.
والعبادة : اسم يجمع غاية الحب له، وغاية الذل له، فمن ذل لغيره مع بغضه لم يكن عابدًا، ومن أحبه من غير ذل له لم يكن عابدًا، والله ـ سبحانه ـ يستحق أن يحَب غاية المحبة، بل يكون هو المحبوب المطلق، الذي لا يحب شيء إلا له، وأن يعظم ويذل له غاية الذل، بل لا يذل لشيء إلا من أجله، ومن أشرك غيره في هذا وهذا لم يحصل له حقيقة الحب والتعظيم، فإن الشرك يوجب نقص المحبة.