إذا تبين ذلك، فالدعوة إلى الله واجبة على من اتبعه، وهم أمته يدعون إلى الله، كما دعا إلى الله.
وكذلك يتضمن أمرهم بما أمر به، ونهيهم عما ينهي عنه، وإخبارهم بما أخبر به؛ إذ الدعوة تتضمن الأمر، وذلك يتناول الأمر بكل معروف، والنهي عن كل منكر.
وقد وصف أمته بذلك في غير موضع، كما وصفه بذلك فقال تعالى :﴿ كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ ﴾ [ آل عمران : ١١٠ ]، وقال تعالى :﴿ وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ ﴾ الآية [ التوبة : ٧١ ]، وهذا الواجب واجب على مجموع الأمة، وهو الذي يسميه العلماء : فرض كفاية إذا قام به طائفة منهم سقط عن الباقين؛ فالأمة كلها مخاطبة بفعل ذلك، ولكن إذا قامت به طائفة سقط عن الباقين. قال تعالى :﴿ وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ [ آل عمران : ١٠٤ ].
فمجموع أمته تقوم مقامه في الدعوة إلى الله؛ ولهذا كان إجماعهم / حجة قاطعة، فأمته لا تجتمع على ضلالة، وإذا تنازعوا في شيء ردوا ما تنازعوا فيه إلى الله وإلى رسوله، وكل واحد من الأمة يجب عليه أن يقوم من الدعوة بما يقدر عليه إذا لم يقم به غيره، فما قام به غيره سقط عنه، وما عجز لم يطالب به. وأما ما لم يقم به غيره وهو قادر عليه فعليه أن يقوم به؛ ولهذا يجب على هذا أن يقوم بما لا يجب على هذا، وقد تقسطت الدعوة على الأمة بحسب ذلك تارة، وبحسب غيره أخري؛ فقد يدعو هذا إلى اعتقاد الواجب، وهذا إلى عمل ظاهر واجب، وهذا إلى عمل باطن واجب؛ فتنوع الدعوة يكون في الوجوب تارة، وفي الوقوع أخري.


الصفحة التالية
Icon