وأما الثاني، فقد يقول طائفة : ليس على الله شيء ـ لا بيان هذا، ولا هذا. فإنهم متنازعون هل أوجب على نفسه ؟ كما قال :﴿ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ ﴾ [ الأنعام : ٥٤ ]، وقوله :﴿ وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [ الروم : ٤٧ ]، وقوله :﴿ وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللّهِ رِزْقُهَا ﴾ [ هود : ٦ ].
وإذا كان عليه بيان الهدي من الضلال وبيان حلاله وحرامه وطاعته ومعصيته، فهذا يوافق قول من يقول : إن عليه إرسال الرسل، وإن ذلك واجب عليه، فإن البيان لا يحصل إلا بهذا.
وهذا يتعلق بأصل آخر، وهو أن كل ما فعله فهو واجب منه / أوجبته مشيئته وحكمته، وأنه ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، فما شاءه وجب وجوده، وما لم يشأه امتنع وجوده. وبسط هذا له موضع آخر.
ودلالة الآيات على هذا فيها نظر.
وأما المعنى المتفق عليه فهو مراد من الآيات الثلاث قطعًا، وأنه أرشد بها إلى الطريق المستقيم، وهي الطريق القصد، وهي الهدي إنما تدل عليه ـ وهو الحق طريقه على الله لا يعرج عنه.
لكن نشأت الشبهة من كونه قال :( علينا ) بحرف الاستعلاء، ولم يقل :( إلينا )، والمعروف أن يقال لمن يشار إليه أن يقال : هذه الطريق إلى فلان، ولمن يمر به ويجتاز عليه أن يقول : طريقنا على فلان.
وذكر هذا المعنى بحرف الاستعلاء. وهو من محاسن القرآن الذي لا تنقضي عجائبه، ولا يشبع منه العلماء.


الصفحة التالية
Icon