فبين النبي ﷺ في هذا الحديث أن صلاة المنافق تشتمل علي التأخير عن الوقت الذي يؤمر بفعلها فيه، وعلي النقر الذي لا يذكر الله فيه إلا قليلا، وهكذا فسروا قوله :﴿ فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ ﴾ بأن إضاعتها تأخيرها عن وقتها وإضاعة حقوقها، وجاء في الحديث :( إن العبد إذا قام إلي الصلاة بطهورها وقراءتها وسجودها ـ أو كما قال ـ صعدت ولها برهان كبرهان الشمس تقول له : حفظك الله كما حفظتني، وإذا لم يتم طهورها وقراءتها وسجودها ـ أو كما قال ـ فإنها تلف كما يلف الثوب وتقول له : ضيعك الله كما ضيعتني ). قال سلمان الفارسي : الصلاة مكيال من وَفَّي وُفِّي له، ومن طفف فقد علمتم ما قال في المطففين. وفي سنن أبي داود عن عمار عن النبي ﷺ أنه قال :( إن العبد لينصرف من صلاته ولم يكتب له إلا نصفها، إلا ثلثها، إلا ربعها، إلا خمسها، إلا سدسها، إلا سبعها، إلا ثمنها، إلا تسعها، إلا عشرها ).
وقد تنازع العلماء فيمن غلب عليه الوسواس في صلاته هل عليه الإعادة علي قولين.
لكن الأئمة كأحمد وغيره علي أنه لا إعادة عليه، واحتجوا بما في / الصحيح عن أبي هريرة عن النبي ﷺ أنه قال :( إذا أذن المؤذن أدبر الشيطان وله ضراط حتي لا يسمع التأذين، فإذا قضي التأذين أقبل، فإذا ثُوِّب بالصلاة أدبر، فإذا قضي التَّثْوِيبُ أقبل حتي يخطر بين المرء ونفسه، فيقول : اذكر كذا اذكر كذا لما لم يكن يذكر حتي يضل الرجل لن يدري كم صلي، فإذا وجد أحدكم ذلك فليسجد سجدتين قبل أن يسلم ). ( فقد عم بهذا الكلام ولم يأمر أحدًا بالإعادة.
والثاني : عليه الإعادة، وهو قول طائفة من العلماء : من الفقهاء والصوفية من أصحاب أحمد وغيره؛ كأبي عبد الله بن حامد وغيره لما تقدم من قوله :( ولم يكتب له منها إلا عشرها ).
والتحقيق، أنه لا أجر له إلا بقدر الحضور، لكن ارتفعت عنه العقوبة التي يستحقها تارك الصلاة، وهذا معني قولهم : تبرأ ذمته بها، أي : لا يعاقب علي الترك، لكن الثواب علي قدر الحضور، كما قال ابن عباس : ليس لك من صلاتك إلا ما عقلت منها، فلهذا شرعت السنن الرواتب جبرًا لما يحصل من النقص في الفرائض. والله أعلم.